محمد عقيل العنزي
قال رسول اللهِ صلّى الله عليهِ وسلَّم: «إِنَّ الله يُحِبُّ إذا عَمِل أحَدُكُم عَمَلاً أنْ يُتْقِنَه). عمل الخير الحقيقي المُتقن ليس مجرد مال يعطَى، إنما هو في حقيقته عمل وعلم نافع يبني العقل الذي يساعد الإنسان على تطوير نفسه، وهذا ما رأيته في مؤسسة (مسك)، هذه المؤسسة الخيرية التي أسسها وأنشأها الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز وليُّ العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، جزاه الله خير الجزاء على هذا العطاء الذي ملأ العقول قبل أن تمتلئ الجيوب، وساعد على تطويرها، وقدم الفرص الذهبية لشباب وشابات الوطن.
تهتم المؤسسة بثلاثة مجالات رئيسة، تشمل التعليم، والإعلام، والثقافة؛ باعتبار أن هذه المحاور تشكل العمود الفقري لتطوّر أي مجتمع وازدهاره، وتشهد تحديثاً وتغيراً مستمراً في الأدوات والوسائل؛ ما يجعل مواكبة الجديد في هذه المجالات أمراً في غاية الأهمية للإمساك بزمام المبادرة، وتحقيق التنمية المنشودة التي تقوم على رعاية وتشجيع التعلم، وتنمية مهارات القيادة لدى الشباب؛ إذ ركزت مسك بيد قائدها وراعيها الأمير الشاب محمد بن سلمان على الاهتمام بالشباب، وتوفير وسائل مختلفة لرعاية المواهب والمبدعين، وخلق البيئة الصحيحة، والدفع بها لتسير على الطريق الصحيح، واغتنام الفرص في مجالات العلوم والفنون الإنسانية؛ لذا هذه المؤسسة تدعم المعرفة في مجتمعنا وفي العالم أجمع من خلال تمكين شباب هذا الوطن نحو التعلم كوسيلة للتطوير في الأعمال التجارية والجوانب التكنولوجية والأدبية والثقافية والاجتماعية. وتسعى مسك لبلوغ هذه الأهداف من خلال إنشاء البرامج، وفتح الشراكات مع المنظمات المحلية والعالمية في مختلف المجالات. وقد نجحت في تكوين شراكات عالمية، هي مكسب لهذا الوطن ولأبنائه، مثل التعاون مع جامعة هارفارد وأكاديمية نيويورك للأفلام، وشراكات مع جهات إعلامية، مثل قناة العربية وأشهر برامج التواصل الاجتماعي، مثل تويتر و»لينكد إن». وكذلك عملت مسك لتوفير مجموعة متنوعة من الحاضنات؛ لكي تستثمر في تطوير الأفكار.
لقد عجبت من هذا التوجه الجميل لهذه الجمعية النادرة؛ إذ لها أهداف جليلة في إنشاء المكتبات ومراكز المعلومات؛ لتسعى في رفع المستوى الثقافي، والرقي الفكري للأفراد والمجتمعات؛ لذا تؤمن المؤسسة بأن نشر الثقافة هو سلم الصعود نحو النهضة والتقدم؛ لهذا سعت لإطلاق مشروعات ثقافية، تستهدف مفاصل التنمية في المجتمع الشبابي، تمثّل ذلك في تنظيم فعاليات ثقافية، أو دعم فعاليات موجودة وتقديمها بصورة جديدة، إضافة إلى المشاركة في المحافل الثقافية المحلية، وتبنّي مبادرات متعددة، تدعم الثقافة من خلال مبادرة مسك الثقافية بالمشاركة في معارض الكتاب في مدينتي الرياض وجدة، وتنظيم ندوات مصاحبة لمعارض الكتاب، مثل «تجارب شبابية في التأليف»، وإقامة ورش عمل تطبيقية عن أهمية القراءة، مثل «الشباب والقراءة». ولم تقتصر على ذلك، بل سعت لدعم برامج ثقافية على اليوتيوب، ومبادرات مثل (كمل - فالفشل خطوة للنجاح)، و(لنتعلم من الفشل). وتأتي هذه الفعاليات للوقوف إلى جانب الشباب المتعثر، وتعزيز أدوات التعافي بتسليط الضوء على الصعوبات التي واجهتهم، وحثهم على إكمال طريق الريادة. وهذه خطوة نادرة ورائعة، قامت بها مؤسسة مسك.
وفي الجوانب الصحية شاركت مسك بمبادرة بعنوان (نور الصحية)؛ وذلك لرفع التوعية الصحية لدى المجتمع. وعلى مستوى الفتيات قامت مسك بمبادرة بعنوان (أفق العالم)، وهي مبادرة شبابية نسائية، تهدف إلى تحفيز الفتيات في المجالات كافة.
لقد شملت أهداف «مسك» الكثير من الفئات العمرية.. على سبيل المثال: مبادرة «ببساطة»، وهي برنامج ثقافي اجتماعي خليجي، يقدم ببساطة وتلقائية، وبلهجة عامية محببة ممزوجة بالدراما التسجيلية والغرافيك التوضيحي.
ولم تقف مبادرات «مسك» على ما تم إنجازه، بل نُفاجَأ كل يوم بمبادرة جديدة، تحمل الرؤى والأهداف نفسها، مثل مبادرتها التقنية والشبابية «كلنا أونلاين»، التي ستتبناها المؤسسات التعليمية - كما ذكر وزير الإعلام - لتوعية الطلاب بالاستخدام الآمن للإنترنت.
أيضًا على هامش القمة العالمية للحكومات التي أُقيمت في دبي تم توقيع مذكرة تفاهم بين كل من مسك الخيرية ومجلس الإمارات للشباب، وتهدف إلى استكشاف فرص التعاون لعقد برامج مشتركة، تطوّر مهارات الشباب السعودي والإماراتي في مجالات عدة.
أيضًا وقعت مسك الخيرية اتفاقية شراكة مع المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق لتحقيق أهداف مشتركة في نشر المعرفة، وتنمية المجتمع، ودعم الشباب.
ولا يمكن أن أعدِّد إنجازات هذه المؤسسة دون ذكر مشاركتها في قمة الرياض التي استضافت فيها كبار المسؤولين والإعلاميين من دول العالم. والكثير الكثير من مبادراتها، وآخرها حكايا مسك في جدة التاريخية في هذا الشهر الفضيل، وما تضمنته من فعاليات وحكايا عدة عن المرابطين الذين وقفوا في وجه الخطر بلا خوف، وثبتت أقدامهم للدفاع عن الوطن، وما حمله مسرح مسك من فعاليات جميلة.
إحصاء إنجازات هذه المؤسسة صعبٌ؛ فهي لا تعترف بحد معين من المبادرات، وليس لديها سقف أعلى للمبادرات، بل مبادرات مستمرة ومتجددة ومفاجئة.
أثق أن هذا المقال عندما يخرج للنور سيكون هناك مبادرات ومذكرات تفاهم جديدة عدة، قد بدأ العمل عليها؛ فاللحاق بمنجزاتها ليس بالأمر اليسير.. فعندما تم وضع اللبنة الأساسية السليمة لهذه المؤسسة، ووضع رؤية صادقة ورسالة سامية وأهداف واضحة، وفّرت جميعها بيئة مستقرة ومولّدة للإبداع، ومعزّزة للابتكار.. جعل ذلك «مسك» لاعبًا رئيسًا ضمن مجتمع العلم والمعرفة، وذلك من خلال تطوير وتنمية الكوادر المحلية، وتشجيع استكشاف آفاق جديدة.
وللتوضيح: ما تم ذكره من مبادرات وشراكات ومذكرات تفاهم في الأعلى ليست شاملة لكل ما قامت به «مسك»، بل هي بعض ما قامت به. إن هذه التوجهات العلمية والثقافية لمسك الخيرية تؤكد أن التعليم يضاعف المواهب، وتؤكد أن المعرفة هي القوة الحقيقية للمجتمعات؛ إذ لا يمكن للمجتمعات أن تحصل على الاكتفاء والنجاح إلا بعد أن تعرف كيف تفكر؛ إذ إن قيمة المرء ما يعرفه، وهذا ما يسعى له سمو الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- الذي تربى على يد الملك سلمان بن عبدالعزيز ملكنا وقائدنا الملك الحازم الذي له باع كبير في تأسيس الجمعيات الخيرية؛ إذ مضى الأمير على خطى ملك الإنسانية -حفظه الله- إذ عمل في هذه المؤسسة قبل أن يستلم أي منصب، وهذا دليل على نبوغه -وفقه الله-. ولا يمكن أن نذكر هذه المؤسسة وإنجازاتها دون أن نذكر أن هناك جيشاً كاملاً من الجنود المجهولين الذين يقفون خلفها، وعلى رأسهم معالي الأستاذ بدر العساكر الذي نراه حاضراً ومتابعاً وداعماً ومشجعاً، والذي جعل المواطن حجر الزاوية لكل المبادرات والاتفاقيات ونقل الخبرات.. وهو بذلك يؤكد أن المواطن والمواطنة الثروة الفعلية لهذا الوطن، وهم محل الاستثمار الحقيقي.
ونحن نؤمن بأن هذه المؤسسة الخيرية لن تحقق أيًّا من أهدافها إذا لم يكن القائمون عليها يمتلكون هذا الحس الوطني الكبير وهذه العقول النيرة المخلصة، التي تسعى لرفعة وعلو هذا الوطن.
ختاماً، نسأل الله أن يجعل ما قدموه من عمل ومعرفة وعلم في ميزان حسناتهم، وأن يوفقهم لتحقيق الكثير من آمال وتطلعات ولاة الأمر -حفظهم الله-.