د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
قضية النفقة مِمّا يحيط بواقع بعض الأسر في بلادنا حين يكون انفصال الزوجين بالطلاق مسبباً قوياً للحاجة والعوز في بعض أحواله؛ وتلك القضية الحقوقية الشرعية حظيت بالاهتمام من قبل أصحاب القرار في بلادنا، ليس لإقرارها كتشريع لأن الشرع المطهر كفَّل ذلك؛ قال تعالى {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} (7) سورة الطلاق، ويقول عزَّ وجلَّ {لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} (233) سورة البقرة، ورسَّخ الشرع مفهوم النفقة وتفاصيلها وفق محددات واضحة في الكتاب والسنة، فجاء اهتمام قيادتنا الرشيدة والقائمين على قطار العدل فيها بوضع تنظيم يكفل الحقوق المالية للمطلقات وأبنائهن في حال الخصومات التي قد تدخل دوائر القضاء وخلافها مما لا يمكن تلك الأسر من الحصول على حق النفقة الشرعية في حينه، ومما لا يمكنها من تسيير متطلبات الحياة لأبنائها وبالتالي تتعطل مصالحهم الحياتية ويتكدر عيشهم. وذلك الاهتمام بواقع الأسرة تمخض عنه ما صدر في قرار مجلس الوزراء الموقر في الأسبوع ما قبل الماضي الذي تضمن الموافقة على تنظيم «صندوق النفقة»، وهو قرار حفيّ بالمرأة، وحفيّ بتطبيق حقوقها التي شرعها لها الدين الحنيف، وحفيّ لكونه التفاتاً حانياً من لدن قيادتنا نحو أولئك النساء ودعماً لحقوقهن، وحفي لكونه يتجاوز أسوار التعقيدات الإدارية المتعلقة بحقوق النفقة؛ فلم يكن حديث النفقة المعطلة من الأحاديث الخافتة في المجتمع بل كانت الأصوات تجلجل بالصفقات الخاسرة التي كانت أسر بكاملها تقع تحت مظلة الخلافات الخانقة بين قطبي الأسرة، حتى أن تداول حق النفقة أصبح مما تختزنه الذاكرة عند تلك الأسر وكأنه من السلطات الغامضة التي تنأى عن الحل، وربما حُسب ذلك من مؤشرات الانتقاص الذي أحاط بواقع تلك الأسر، ومِمّا أعلى وتيرة الحديث عن حقوق المرأة في محيطنا وخارجه. والشاهد الآن ونحن في عهد الإنتاج الفوار الذي يجب أن تُمهّد له السبل، ولأن أولئك النساء المطلقات وأبناءهن من لبِنات المجتمع الذي يجب أن ينمو ويزدهر؛ فقد بدا التنظيم ذا أهداف سامية؛ ورباطه قناة العدل السعودية، كما استقل مالياً حتى لا يلتهمه واقع البنود المالية الأخرى في بعض أحوالها، وحتى يكون مصباً غزيراً وثابتاً وداعماً مستمراً للأسر المعنية بذلك،، وأحسبُ أن صندوق النفقة الأسرية وتنظيماته العميقة المستندة إلى ما أقره اشرع وما أفرزته الحاجة حين تجنح الإنسانية عن السلم، صندوق وفير بأهدافه السامية؛ ووفير بمحيط المستفيدين منه لأنهم جزء أكيد من كيانات المجتمع، ووفير حيث قوة السلطة، ووفير حيث قوة الإدارة المباشرة وهي وزارة العدل بوزيرها الجدير البصير، ووفير بالامتداد التنموي من خلاله؛ ووفير بتفعيل الدور الاجتماعي الذي ينبغي أن تتبناه الوزارات في تأسيس منصات اجتماعية وفق دائرة المهام المناطة بها، ولا نغفل أن نشيد بدور بعض مؤسسات العمل الخيري التي أسهمت في صناعة القرار ووصوله إلى محطة الاعتماد من قبل المقام السامي حيث عملت على رفع المسببات والنتائج التي آلت بحال تلك الأسر إلى واقع ينشد حلاً، ويتلمس علاقة جديدة مستقرة مع محيطها، وتصدرت جمعية «مودة» قيادة القضية وصياغة تفاصيلها ولها باع وذراع؛ وكذلك برنامج الأمان الأُسَري الذي كان رافداً أميناً وداعماً مكيناً، وجمعية النهضة وجمعية بنيان الخيرية ولهما من اسميهما نصيب في كل شأن مجتمعي أسري، وكل من مؤسستي الملك خالد والأمير سلطان الخيريتين، رحم الله تلك الأسماء المضيئة في خدمة المجتمع منذ الأزل، كَمَا كان لمجلس الشورى نبع محفز في ذلك التنظيم.. وحيث لم يكن عند بعض الأسر وعي مضاد لما يعانينه أو استقلال بالقرار!! فإن تلك البراعم التي احتضنتها أجنحة صندوق النفقة حتماً سوف تحلق لتشاهدها الأمهات، فتستبين مستقبلاً آمناً بتوفيق الله. وعموماً فإن تنظيم النفقة جانب مضيء للقدرة الاقتصادية، والوعي بالحقوق، والبعد عن الخصومات المباشرة التي تثقل كاهل الأسرة من ذوات الشأن والحاجة. ولن استطرد في سرد منائح القرار السامي الكريم «تنظيم صندوق النفقة» إلا أننا «نرجو فوق ذلك مظهراً» عندما يكون ذلك التنظيم ممهداً لبناء إستراتيجية خاصة لأسر المطلقات، ومصدراً لدراسة واقع تلك الأسر، وإيجاد البرامج الناجحة لاستقرار تلك الأسر وأبنائها، كما نرجو أن يكون بين الصندوق والمحاضن المجتمعية التي سبقت في شأن رعاية تلك الأسر، ونعني بهم الجمعيات الخيرية، نَرْجُو أن يكون بينهم وبين الصندوق وشائج متينة؛ وإن كان وجود الصندوق وتنظيمه أمراً حقوقياً ملزماً شرعاً، وتدخل العدل هو من ممكنات حماية العدالة؛ وتمكين مستحقي النفقة من المطلقات وأبنائهن من حقوقهم التي فرضها الله، فإن في ذلك التنظيم وثائق اجتماعية جديرة بالنظر والاستبصار لجلب الاستقرار الأُسَري من خلالها، فلقد منحتنا القيادة الحكية منصات متينة من أجل تحسين واقع الأسرة السعودية عامة وتمكينها من استثمار خصوبة أرضنا، ونداوة صلاتنا المجتمعية ورسوخ عقيدتنا وثبات مبادئنا.
«خاتمة آسرة»
ما أنصفوا وطني؛ وطني هو العدل.