د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
سجَّلت إيرادات الدولة في الربع الثاني من عام 2017 نموًّا نسبته 14 في المائة؛ لتبلغ قيمة إيرادات الربع الثاني نحو 163.906 مليار ريال مقارنة بـ144.076 مليار ريال بالربع الأول، وارتفعت الإيرادات غير النفطية بنسبة 96 في المائة بما يعادل 30.843 مليار ريال لتبلغ قيمتها في الربع الثاني 62.916 مليار ريال مقارنة بـ32.073 مليار ريال خلال الربع الأول، أي شكلت الإيرادات غير النفطية في الربع الثاني نحو 38 في المائة من إجمالي الإيرادات مقارنة بـ22 في المائة في الربع الأول رغم أن الإيرادات النفطية سجَّلت تراجعًا في الربع الثاني بنسبة 10 في المائة عن الربع الأول.
وارتفعت إيرادات الدولة في النصف الأول من عام 2017 بنسبة 29 في المائة لتبلغ قيمتها نحو 307.982 مليار ريال مقارنة بـ238.746 مليار ريال من العام الماضي 2016.
وسجَّلت مصروفات الدولة على القطاعات المهمة كالتعليم والصحة والتنمية الاجتماعية والخدمات البلدية نحو 46 في المائة من إجمالي مصروفات ميزانية النصف الأول 2017 التي تقدر بنحو 175 مليار ريال، وبلغت رواتب الموظفين 52 في المائة من مصروفات الحكومة والتأمينات بنحو 196.9 مليار ريال، رغم أن الدولة رشدت فقط 7.4 مليار ريال. ولم يتغير كثيرًا الإنفاق الرأسمالي بنحو 16 في المائة من مصروفات الدولة في النصف الأول البالغة 62.3 مليار ريال بزيادة 1 في المائة عن الفترة نفسها من العام الماضي. هناك تقدُّم في تحقيق أداء مالي يتسم بالتوازن على المدى المتوسط؛ وهو ما يعني تراجع العجز في النصف الأول إلى 72.7 مليار ريال مسجلاً انخفاضًا بنسبة 51 في المائة مقارنة بالفترة الماثلة لها من العام الماضي.
ورغم ذلك لا تزال التحديات الاقتصادية قائمة، التي ستركز على إيجاد المزيد من الإيرادات غير النفطية، وتحسين كفاءة الإنفاق بما يؤدي إلى حالة من التوازن المالي كهدف استراتيجي في المدى المتوسط؛ وبالتالي ينعكس إيجابًا على اقتصاد الوطن ورفاهية المواطنين.
وإذا ما أردنا أن نتحقق من البوصلة التي وضعتها الدولة فإننا نجد أن 53 في المائة من الإيرادات غير النفطية مصدرها صندوق الاستثمارات وساما بنحو 50.4 مليار ريال، فيما بلغت الضرائب نسبتها 47 في المائة من الإجمالي بقيمة 44.6 مليار ريال المحصلة على الدخل والأرباح والمكاسب الرأسمالية، منها ضريبة دخل الشركات والمنشآت الأجنبية التي بلغت 9.2 مليار ريال، فيما بلغت على السلع والخدمات، منها رسوم المنتجات النفطية وضريبة المنتجات الضارة، نحو 13.8 مليار ريال، وبلغت الرسوم الجمركية نحو 9.5 مليار ريال متراجعة بنسبة 23 في المائة في الفترة نفسها من العام الماضي (بسبب أن الجمارك منعت وصول 19.5 مليون سلعة مغشوشة إلى الأسواق في 7 أشهر، أبرزها ألياف بصرية وألعاب وأجهزة الإنارة). وبلغت الزكاة 12.2 مليار ريال أيضًا محققة تراجعًا نسبته 5 في المائة.
لكن ما زالت تشكل الإيرادات غير النفطية 31 في المائة من مجموع إيرادات الدولة مقابل 69 في المائة للإيرادات النفطية بقيمة 213 مليار ريال في النصف الأول من عام 2017 من إجمالي واردات في النصف الأول بنحو 368.4 مليار ريال، ونحو 642.96 مليار ريال حجم الناتج المحلي بحسب الأسعار الثابتة بنهاية الربع الأول. وتبلغ واردات المملكة في النصف الأول 249.1 مليار ريال مقابل صادرات بلغت قيمتها 75.87 مليار ريال.
ولمواصلة تخفيض العجز، ليس هذا فحسب، بل خفض الإنفاق الحكومي عبر برنامج الخصخصة الذي يستهدف رفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي من 40 في المائة إلى 65 في المائة، ولعشرات السنين، أبقى الكثير من الشركات المالية الأجنبية حضوره في الرياض عند الحد الأدنى، أو تجاهل المملكة تمامًا، وسعت هذه الشركات وراء الأنشطة المرتبطة باستثمارات السعودية البترولية البالغة مليارات الدولارات في الخارج، لكنها اعتبرت أن الفرص قليلة في الاقتصاد المحلي بسبب هيمنة شركات حكومية وشركات عائلية، لكن المناخ مع رؤية 2030 والتحول الوطني 2020 بدأ في التغير في الإعلان عن مسعى للخصخصة من أجل المساعدة في تنويع موارد الاقتصاد في عصر انخفاض أسعار النفط.
وتوقعت السعودية أنها تهدف إلى جمع 200 مليار دولار خلال سنوات عدة، لا تشمل القيمة المتوقعة لبيع حصة في أرامكو البالغة عشرات المليارات من الدولارات. ومن المرجح أن تكون السعودية سوقًا كبيرة بالنظر إلى عمق الاقتصاد، وهي أيضًا أكبر اقتصاد في مجلس التعاون الخليجي؛ لذا لا يمكن تجاهلها.
تمرُّ المملكة بنمط التحول نفسه الذي مرت به الصين؛ ما يعني أن هناك فرصًا كبيرة للغاية، بما في ذلك السياحة والترفيه وصناعة السيارات. وهناك مشاريع خصخصة، تبدأ قبل نهاية العام، وطرح 42 مشروعًا في مطار الملك فهد أمام شركات عالمية ووطنية، بجانب تخصيص مطارات المملكة كافة هذا العام، بحسب إعلان هيئة الطيران. وهناك تمهيد لخصخصة محطتَي مياه الشقيق وينبع. وتعمل الخطوط الحديدية على تنفيذ خصخصة أجزاء من مشاريع القطارات. المملكة تمتلك موارد وبيئة محفزة جاذبة لأي شراكات، وخصوصًا بعدما اتخذت الدولة قرارها التحوُّل من دولة تعتمد على النفط إلى دولة تعتمد على اقتصاد السوق، وخصوصًا أن السعودية تعد أمة شابة؛ إذ إن 50 في المائة من سكانها تحت أقل من 25 عامًا؛ ما يجعل منهم مجتمعًا حيويًّا، بقيادة شابة وقوية ونابضة بالحياة.
وتريد السعودية أن تنظر الشركات إليها كمنصة للوصول إلى أسواق أخرى؛ إذ ترى السعودية أن الخصخصة مشروع القرن، وهي على خطى الصين والهند، وهي تريد أن يكون القطاع الخاص شريكًا استراتيجيًّا في حركة النمو الاقتصادي جنبًا إلى جنب مع القطاع العام؛ إذ تهدف السعودية إلى رغبتها في خصخصة ما يقارب 13 وزارة وهيئة حكومية، وإسنادها للقطاع الخاص، أو إنشاء شركات تتبع لها للعمل؛ حتى يسهم في التخلص من الأعباء المالية الضخمة التي تتحملها الحكومة.
لذلك خصصت الدولة لجنة حكومية، تقترب من حصر المعوقات التي تواجه القطاع الخاص، تهدف إلى تحسين بيئة العمل الاستثمارية، وزيادة عدد المنشآت؛ وذلك لضمان تفعيل دور القطاع الخاص في دعم النشاط الاقتصادي بعدما قامت الدولة بتحديد حزمة تحفيزية بقيمة تصل إلى 200 مليار ريال على مدى أربع سنوات.