إن لم تكن أنت فأنا لا أعرف شخصًا أكثر منك وطنية وإخلاصًا وحبًّا وحضورًا. أنت لهذا الوطن خريطة جميلة الأبعاد، رائعة التضاريس، مختلطة الفصول والثمار.. كبستان أزهرت به الأشجار، وانسابت به الينابيع، وصدحت فيه البلابل، وغردت حوله الأطيار.
هكذا أنت أبا يعرب.. سيل من الماء الدافئ، يتدفق في فصل الشتاء، وفيض من الماء البارد، ينهمر وقت تشتد الظهيرة. إن لم تكن أنت ينبوع هذا الوطن فلنعلن توقفنا عن البحث، ونسجل بحثنا «ضد مجهول». حبك بامتداد هذه الأرض حب وولاء لا يقبل التصحر، وعمل دؤوب لا يتوقف.. ينبوع أنت لا ينضب، وأحلام مترامية الأطراف لا تقبل الحدود، ولا تأبه بالزمن. بعضك على بعضك وطن.
هلا حدثتنا كيف زرعت وسقيت ونميت كل هذا الحب في أحشائك. ما هذه البذور الندية في قلبك وروحك؟ وما هذه الإشراقة البهيجة في وجهك وعلى محياك؟ هلا أخبرتنا كيف يكون الحب وكيف يصبح أداة فاعلة، ترسم لنا الطريق، تلهب حماسنا، وتحرك الشجون والمشاعر في داخلنا.
زاهية هي ألوانك وبريقك في كل أنحاء هذا الوطن. إنه الوطن الكبير.. يصغر بين يديك وفي تجوالك الدؤوب كأنك إشراقة الشمس، تحف به في العمق والأطراف. ويكبر في قلبك كأنه جوهرة يداعبها غواص. ويرفرف بين يديك من جديد كعصفور جميل، يوشك أن يطير. لا تعرف ما إذا كان هو من يسندك أو أنت الذي تسنده على عكازك المفعم بالتضحيات؛ ليتكئ عليه.
أجزني إذا ما تجرأت فيك وأسميتك الضمير أو أسميتك الذاكرة أو أسميتك الحلم؛ فأنت رسم تشكيلي من هذا وذاك.. كلما أردت أن ألملم ما فيك جفلت أناملي.
لك الحب مجتمعًا..
لك الأمل مرتجيًا..
لك هذا الضياء الخجول، وهذه الشمعة الساهرة لك ترتجي سنبلة واعدة
لك المتناقضات، الزرع والأيقونة الساحرة.
وأنت الجاد بين الأسيف والاذرعة.
لا أعرف رجلاً ضب زاده تحت إبطيه وهام يبحث عن زرعة بين الرمال المتناثرة.
لا أعرف من ضب زاده وتشظى.. فوق أنهر جامدة..
لا أعرف ما الذي يتبقى من الوطن إذا ما أنت أقبلت أو ذهبت..
لا أعرف سوى أنك موجود ومختلط بكل الزريعات البازغة.
اسمح لي أن أتجرأ وأقول ما معنى أن تكون وطنيًّا. أليست الوطنية أن لا تكون إلا إيجابيًّا. أن لا تكون إلا منتشرًا كما النحل بين الأزهار تلعق رحيق زهرة تائه أو ناقة اضطلعت بحملها في رمضاء المدينة خوفًا عليه من الهزل. ألست أنت أكثر تجانسًا وانصهارًا وذوبانًا في هذا الوطن؟ ألست أبلغ من يحمله على كتفيه.. وفي عينيه، وفي سويداء قلبه وجوفه وعلى لسانه؟ أليست الوطنية أن ترفع رايته، أن تمتشق سيفه، أن تتقمص دوره الأزلي؟
أراك منتشرًا..
أراك في كل الأمكنة شامخًا مختلطًا بالآفاق الجميلة..
أراك أنت من يصنع وتنداح تحت قدميه الأروقة.
قلبك كالصليب بارت تحته الأقنعة..
واتسعت عيناك بالأشرعة..
شامخًا أنت كما الأوتاد..
تضيء لمن يطرق الباب..
ومن يشتهي ليلة ماطرة..
الفصول تهاوت..
تنهدت الأسارير وهجرت الذاكرة السواد..
وابتسم الوطن..
أبا يعرب.. نحن نتفيأ بظل عملك العظيم، ونتعلم منك كيف نشق الطريق، وكيف نلغي الفصول، فالسنة كلها فصل واحد، هو فصل العمل وفصل الحب وفصل التواصل وفصل البحث. نحن جميعًا - أنا وهم - نحبك باسم هذا الوطن..
فهنيئًا لها بك..
وهنيئًا لك هذا الوطن..
نريد لك الصحة والعافية.
- رياض العلي