لا أعرف - تحديدًا - متى وكيف بدأت علاقتي بالأخ الأديب المثقف الزميل الأستاذ محمد القشعمي؛ وذلك لقدم هذه المعرفة زمانًا ومكانًا، ولكن ما أدركه حقًّا أنني تعرفت عليه في مكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض منذ وقت مبكر من تنشئتي الثقافية والمعرفية؛ فقد كان مسؤولا عن الشأن الثقافي، وكنت أتواصل مع المكتبة مثاقفة وبحثًا واطلاعًا، وكنت أجد منه كل العون والمساعدة، مثل كل القراء والباحثين الذين استفادوا من خدماته وتوجيهاته، وبعدها شعرت بأخوته وزمالته الأدبية والثقافية، وبادلته كثيرًا من الود والاحترام. كان القشعمي صاحب كاريزما جاذبة، تنبث داخلك أول ما تلاقيه، فتنشأ بينكما علاقة معرفية، نبراسها العطاء والتواصل والمنفعة المعرفية، يأخذ بأيدي الباحثين والدارسين، ويوصلهم إلى تطلعاتهم المعرفية، ويضيف إليهم الكثير مما يفيد. ومن هنا تعمقت العلاقة بيننا، وتجذرت آفاق التعالق المعرفي والثقافي، وبدأت تتوثق عرى الصداقة والمحبة والألفة من خلال اللقاءات والمنتديات وتبادل الإهداءات من كتب ودواوين ودراسات وأبحاث.
تواصلت مع الفكر الذي يتبناه القشعمي، ويبثه في كتبه التي ألفها ونشرها، فوجدت فيها ما يدل على نمط كتابي متميز؛ فهو لا يتكئ على مناهج الأكاديميين ولا فذلكاتهم المعرفية، وإنما يتبنى الأساليب الإنشائية البسيطة، والبعد عن الإغراقات المصطلحية، وإيصال المعلومة بعيدًا عن المماحكات اللغوية؛ ولذلك تجد لكتاباته نمطًا معرفيًّا سهلاً وقريبًا من التلقي والمقروئية.
ومحمد القشعمي في كتاباته وطروحاته يعبِّر عن ذاته وحسه المعرفي ومكنته الذهنية المستوعبة والناقدة، وفكره الجمعي، وثقافته التي شكلها من رصيد قرائي ومخزون ثقافي عبر تثاقفاته المتنوعة، خاصة في المجال التوثيقي والرصد الواسع. فهو من العصاميين الذين بنوا ذاتهم وكونوها خارج السياق الأكاديمي، واستفاد من محيطه العملي والبيئة الحاضنة، فتشكلت لديه ظاهرة قرائية متوازنة ومتجددة؛ فأنتجت نمطًا كتابيًّا خاصًّا، يدل ويشير على شخصية القشعمي الثقافية.
لقد اشتغل محمد القشعمي على رصد وتسجيل وحفظ وتوثيق الكثير من أعمال الرواد في بلادنا السعودية، سواء رواد الصحافة أو الفكر والأدب والثقافة والإعلام، وأخرج لنا من هذه الكنوز نشرًا وتأليفًا ما أغنى المكتبة المحلية والعربية، وعرفنا على هؤلاء الرموز. وقد جاوزت هذه المؤلفات الأربعين كتابًا في فترة وجيزة؛ فهو لم يلج باب النشر إلا متأخرًا، ولكنه قدم ما يثري ويفيد.
وأخيرًا، فإن محمد القشعمي رمز من رموز المجتمع الثقافي المحلي والعربي، سجل اسمه في خارطة المشهد الثقافي بكل مقبولية قرائية وجمالية ثقافية، وأصبح ظاهرة معرفية، تفخر بها بلادنا السعودية.. أهديه تحياتي ودعائي له بموفور الصحة وتمام العافية وسعادة الدارين. والحمد لله رب العالمين.
- د. يوسف حسن العارف