علي الخزيم
فقهاء وعلماء من فارس والروم والصين وإفريقيا ومن أصقاع الدنيا المتفرقة، تجمعهم كلمة التوحيد والقبلة الموحدة، والهدف الأسمى لرقي أمة الإسلام عربها وإخوانهم من الأمم والعرقيات الأخرى، لذلك فإن أسماء تعود أصولها لتلك البقاع قد برزت عبر الأزمنة التاريخية اثْرَوا العلوم والمعارف في كل أبوابها وتصنيفاتها وتفرعاتها، في الشرع واللغة والآداب والطب والرياضيات والتقويم الجغرافي والفلسفة والترجمة وغيرها، ومنهم من كانوا يعملون على نقلها عن العرب إلى بلادهم وشعوبهم وثقافاتهم مثل ما أضافوا للثقافة العربية، فلما دب الضعف وخَفَتَتْ جذوة العلم عندنا احتجنا لتدوينهم وترجماتهم وبحوثهم فهي بالأصل من هنا ولا تثريب أن أعدنا قراءتها واستذكارها، لا سميا في علوم وفروع لم يدونها الأجداد على اعتبار أنها من مسلمات الحياة عندهم وتعقلها أذهانهم وملكاتهم ومحفوظة بذواتهم.
حين تم النقل والعودة لكتب علماء المسلمين من أصول رومية وفارسية وغيرها: لم ينظر الباحث والمترجم والناقل للجوانب الطائفية والانتماءات الجغرافية، فهو مُسلمٌ ينقل عن مسلم قبله دَوَّن علوماً إسلامية منبعها الديار المقدسة وانتفع بها أقوام مسلمون، فهي تنقل لإخوة مسلمين وأحفاد من قدحوا وأسسوا لهذه العلوم والمعارف، فالبضاعة واحدة، والمنشأ الأصلي واحد، والمُدَوِّن والناقل والمنقول إليه مسلمون على عقيدة واحدة.
لم تكن الطائفية حينها بهذا الاستشراء، وبهذا الفهم المعقد المتشابك الذي يصعب تحليله وتفكيكه، وأن اختلفت المذاهب فإنها لا تبتعد عن نقاوة أصل المنبع وطهارة المعتقد، وحسن النوايا، وحب الخير والهداية للمجموع في كافة أقطار الإسلام، حتى وإن كانت قد وجدت حيل وحبائل للحد من نشر العقيدة السمحة في بدايات الدعوة المحمدية؛ فإن أدران الطائفية ودسائسها لم تكن إلا بالأمر المستحدث المستجد في حياة الأمة غَذَّته احقاد عنصرية إقليمية استغلت مفهوم الطائفة لتأجيج مشاعر غوغائية محدودة الإدراك لمستقبل الاهداف المقصودة والمنشودة من هذا التغلغل في صفوف الأمة لشقها وتفرقتها وأضعافها باسم الدين.
وأقرب مثل مسألة الترحم على الممثل الراحل عبد الحسين فلم يعرف عنه فيما قدمه أي توجه طائفي، بل كان منافحاً عن قضايا العرب والمسلمين بصفة عامة، وكان يعتز بانتمائه للعروبة والإسلام ويترحم على الصحابة، ويقال: إن مجرد الانتماء لفئة لا يعد مكفراً بذاته فهو باق على أصل الإسلام.
ويمكن للمتابع استعراض أسماء شخصيات إسلامية غير عربية ودورها بإثراء الفكر والثقافة والعلوم الإسلامية، وما لها من قيمة وتقدير، بغض النظر عن التوجهات الطائفية، ما عدا من تَقَصَّد وتعمَّد ركوب موجة طائفية أو فلسفة منحرفة في فترات ماضية للكيد والنيل من أمة الإسلام والتقليل من شأن العرب، فأولئك قد فطن لهم رجالات العلم والفكر والتأريخ من عرب وغيرهم وتصدوا لأهوائهم ومآربهم وفضحوها، فكثير من المعتدلين -غفر الله لهم- أسهموا في التنوير والثقافة الإسلامية ورفعة شأن إبداعاتها وعلومها وفنونها المختلفة في كل زمان ومكان، فلا نملك إلا أن نترحم عليهم، وكلٌ يفضي في آخرته إلى ما عمل في دنياه، والله سبحانه أحكم الحاكمين.