د. عبدالحق عزوزي
خطاب الكراهية أينما كان وأينما تم ترويجه فإنه يطرح تساؤلات لا منتهية وحوارات عقيمة، عن مدى قابلية تعايش جزء من الناس مع الآخر، بسبب لون بشرته أو بسبب عرقه أو انتماءاته الحضارية والثقافية.
منذ أيام سمعنا أنّ السيد باراك أوباما أضحى أكثر شخص حصل على إعجاب في موقع التواصل الاجتماعي تويتر. وحازت عبارة للزعيم الجنوب الأفريقي الراحل نيلسون منديلا نشرها الرئيس السابق باراك أوباما، على خلفية الأحداث التي شهدتها مدينة شارلوتسفيل في فرجينيا، على حسابه في تويتر، على أكبر عدد من علامات الإعجاب بحسب بيان لإدارة الموقع.
وكتب أوباما أول رئيس أسود في تاريخ الولايات المتحدة عبر «تويتر» الأحد الماضي، أنّ «لا أحد يولد مع كره للآخر بسبب لون بشرته أو أصوله أو ديانته»، غداة مقتل متظاهرة معادية للعنصرية في مدينة شارلوتسفيل في فرجينيا على يد أحد أنصار النازيين الجدد.
ووصل في ظرف وجيز عدد الإعجابات بهذه التغريدة حوالى 3.3 ملايين علامة إعجاب إضافة إلى أكثر من 1.3 مليون إعادة تغريد؛ وأرفق الرئيس الأمريكي الرابع والأربعون هذه التغريدة بصورة له مبتسماً لأربعة أطفال ينظرون إليه من النافذة بينهم فتاة سوداء وطفل أشق... وشهدت مدينة شارلوتسفيل في فرجينيا مسيرات متعددة لعل أهمها مسيرة «توحيد اليمين»، التي دعا إليها قوميون متشددون، احتجاجاً على خطط لإزالة تمثال أحد جنرالات الحرب الأهلية في الولايات المتحدة، الذي كان مؤيداً لاستمرار العبودية في البلاد. وقتلت امرأة وأصيب آخرون عندما صدمت سيارة حشداً من المعارضين لمسيرة نظمها يمينيون متطرفون.
ما وقع في هاته المدينة الأمريكية يوحي وكأنك في مدينة نائية جنوب الصحراء في القارة الإفريقية، ولكن للأسف الشديد فالكراهية لا موطن لها ولا مقر، وهي من طبيعة كل أولئك الذين تنتفي منهم بعض من خصائص البشر الإنسانية، خاصة عندما يسعون إلى استعباد الآخرين ويظنون أن لهم صفات وطباعاً لا توجد عند غيرهم بسبب اللون أو العرق أو غير ذلك.
كما يمكن أن تتابع في هذا الباب وبالضبط في الدول الأوروبية ازدياد نسبة معاداة الإسلام بشكل كبير، إذ يعتبر الأوربيون الإسلام تهديداً خطيراً، فتكثر كل أشكال الكراهية وتكبر النظرة الازدرائية والسياسات العمومية المناوئة للمسلمين.. وفي مقال للفيلسوف الكبير يورغن هابرماس، الذي يمثل بحق الانتلجنسيا الأوربية النقدية التي مازالت ترفع أصبع الاتهام ضد الشر والبؤس، حاول هذا المفكر الكبير إعطاء جواب مقنع لهاته التساؤلات بعيداً عن القراءات السطحية والمغرضة التي تصدر في بعض الأحيان عن مفكرين أوربيين ذوي قناعات حزبية وسياسية تؤثر في الأخير على فهم الأمور بل وعلى مجرى الأحداث، لأنّ السياسيين غالباً ما يعتمدون على تحاليلهم ودراساتهم لتكون لهم عوناً ونصيراً في تعليل سياساتهم المتعلقة بالأجانب.
أشار الفيلسوف الألماني إلى أن العامل الانتخابي وضرورة حشد عدد أكبر من أصوات الناخبين، هو السبب الذي جعل الجسم المجتمعي الألماني مثلاً مريضاً بالصور النمطية عن الإسلام والمسلمين، وهو الذي يغذي في عقول الألمان مقولة وجود الهوية والثقافة الوطنية في خطر أو ما يشار إليه بالهوية المرجعية، وهاته الهوية يشعل فتيلها سياسيو الأحزاب كلما دعت الضرورة إلى ذلك على قبيل ما وقع في تسعينات القرن الماضي، عندما زحف آلاف المهاجرين من يوغوسلافيا السابقة وطلبوا اللجوء السياسي في البلد، مما أثار زوبعة من الاحتجاجات السياسية؛ ولكن خلافاً لما وقع في تلك الفترة، فإنّ السياسيين الألمان أضافوا خاصية جديدة في دفاعهم عن الهوية والمرجعية الوطنية، وهو كون ثقافة المجتمع الألماني ثقافة «يهودية - مسيحية»، ويتساءل الفيلسوف الألماني عن نسيان السياسيين الجدد لما وقع لليهود في ألمانيا !
لا يمكن تجاهل التراكمات التاريخية المغذية للمشاعر الوطنية والتي تتجاوز حدود ألمانيا لتشمل جل الدول الأوربية، كما وقع بالضبط في مدينة شارلوتسفيل في فرجينيا، حيث يمكن أن تنتقل هاته الكراهية إلى مدن أخرى، ولكن الذي بدأ يقع في ألمانيا هو وصول صفوة من الحكام إلى كراسي أخذ القرار، دون أن يكون لهم باع في السياسة أو تجربة تاريخية تجعلهم يفرقون بين الدعايات الحزبية السياسوية، وما يجب أخذه من قرار للمحافظة على توازن المجتمع داخل الدولة... الكراهية داء خطير تأتي على الأخضر واليابس وتعتمد على مرجعيات فكرية مغرضة، إذا نمت وتسيّست في المجتمع، فإنها تصبح داءً عضالاً وفيروساً فتاكاً يقضي على أصول التعايش، وبناء الأسرة الإنسانية الواحدة والبيت المجتمعي المشترك.