د. خيرية السقاف
تدب أقدامهم..
تتعالى همهمات أذكارهم, حديث أنفسهم, تبادلا مع رفقائهم..
بألوانهم المختلفة, وأحجامهم..
بألسنتهم الغامضة, والواضحة, بأصواتهم الهادئة والصاخبة..
بأزيائهم ذات العلامات الدالة عن مواطنهم, وأذواقهم, وأنماطهم..
وكنتُ في محطة من محطات السفر
في انتظار قادم طال به الغياب أتأملهم
وغالباَ ما أخص محطات السفر بلحظات مرور, أموِّن مخيلتي, وأشحن ذهني, وأستلهم التحليق
هنا, حين يمرون بي ثللاً, وجماعات, وأفراداً أتعرّف أكثر, وأُمدُّ محبرتي..
هنا سريعاً بعضهم, ومنهم آخرون يمشون الهوينى..
يتأملون جداريات المكان, وسقُفه, ومعالمه..
يقف بعضهم عند اللوحات, وشاشات حركة المغادرة, والقدوم
بعضهم يقترب من خازنة التمويل الفوري العطش لزجاجة ماء,
والراغب في قدح من القهوة يعدل به مزاج الطريق..
اختلط منهم الصغار بالكبار, والعجزة على الكراسي المتحرّكة, ومن يتوكأ على عصاه, والراجل نفسَه, والمحمول على كتف أبيه..
هنا, الموشَّى بلباس الإحرام, والحامل حقيبته, ومن يجرها بيده, ومن يعلقها على كتفه..
الموسم حج, وعن مطار الحجيج يأتون, لكن المحطات كلها للحجيج في وقتنا..
هفت النفس لعرفة والبيت العتيق, لمنى والمبيت, للمسعى ورشفة من زمزم..
لنداء المطوِّفين, وابتسامة المستقبلين, لبرودة حجر المطاف, وأصداء مسرى المسعى..
لبيت «ستِّي» المفضي لأبوابها, لذلك السوق الصغير المزدحم برائحة مكة العتيقة
تبتاع لي منه منديلاً أبيضَ تدس فيه رأسي قبل أن تمسك بيدي, وتدلف بي إلى الحرم,
ولا نخرج منه قبل أن تغمرني بماء زمزم !..
موسم الحج خزانة الذكريات..
وفي المحطات تقرع طبول الحنين..
والشجن..
والدعاء للحجيج الطيبين
للرُّحل والقادمين
وللقلوب تهفو لمن تنتظر..