زكية إبراهيم الحجي
معاناة المجتمعات وخاصة المجتمعات العربية تتزايد باستمرار جراء تصاعد موجات التعصب والتطرف والتحريض على الصراعات الطائفية والتحريض على إنكار وجود الآخر وإنسانيته.. ونشر الفتنة والصوت العالي ضد طائفة دينية أو عرقية.. والتي وإن اختلفت في حجمها ومستواها وحدتها من مجتمع لآخر إلا أن ما يجمعها جميعاً هو فكر واحد ألا وهو فكر الغلو والتشدد والكراهية.
ومن نافلة القول إن ما يزيد نزعة خطاب الكراهية رسوخاً وخطورة هو التحريض المستمر الذي يأتي من خلال بعض القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية واسعة الانتشار وفتاوى التكفير التي وَجدتْ من مواقع التواصل الاجتماعي فضاء خصباً للترويج لها فأسهمت بشكل خطير في التأثير على عقول الكثير وخاصة الشباب وأوجدت لديهم نوعاً من التعاطف تجاه مروجي خطابات الكراهية.
لقد خلق الله سبحانه وتعالى البشر بألوان وألسنة متعددة.. وشعوبٍ وقبائل مختلفة لذا فالعلاقة بينهم لا بد أن تكون قائمة على الإنسانية وألا يكون هناك أي نصيب من الكراهية أو الغلو أو السلوك المتطرف الذي يعتبر من أخطر أنواع إشاعة لخطاب الكراهية المتضمن استثارة وتحريضاً وتكفيراً وإقصاء للآخر
خطابات الكراهية وقود غضب انتشرت دون سقف في الفضاء الرقمي واستُخدمت وسيلة لتحفيز المشاعر وإثارتها وتعبئتها في اتجاهات مباشرة وغير مباشرة فيصبح تحريضاً وحاشداً لزرع قناعة واقتناع للتمييز والعنصرية وانتقاص الحقوق وهنا تكمن خطورة عدم الوعي متى يعتبر السلوك داعياً للكراهية ومتى يكون في نطاق حرية التعبير عن الرأي في إطار المنطق.
ولا يفوتني أن أشير في هذا المجال بأن خطابات الكراهية عبر بعض المنابر الإعلامية ليست حديثة عهد.. ففي حرب الإبادة الجماعية في رواندا التي استمرت إلى منتصف عام 1994 شن القادة المتطرفون من جماعة «الهوتو» التي تمثل الغالبية العظمى في رواندا حملة إبادة ضد الأقلية من قبيلة «توتسي» وخلال فترة لا تتجاوز مائة يوم قُتل ما يربو على «800.000» شخص ما بين مسن وطفل وامرأة.. وتعرضت مئات الآلاف من النساء لاغتصاب جماعي.. لقد كانت جرائم الإبادة الجماعية في رواندا قائمة على خلفية التحريض الإعلامي وخطابات الكراهية التي تم بثها عبر المذياع بشكل مستمر لتعزيز وتأصيل أفضلية أبناء «الهوتو» على أبناء «التوتسي» وحيث أن غالبية الشعب في ذلك الوقت لا يعرف القراءة والكتابة فقد كانوا يعتبرون أن كل ما يُبث من خلال المذياع حقيقة لا جدال فيها.
اليوم ونظراً لاستغلال البعض الفضاء الرقمي في نشر خطابات الكراهية وما تتضمنه من ترويج للتطرف والتعصب الذي وصل إلى حد التكفير وإثارة للفتن مما يشكل خطراً على الوطن والمجتمع فقد خطت المملكة العربية السعودية خطوات جادة على طريق الإصلاح بعد صدور الأمر الملكي بتعديل مسمى «هيئة التحقيق والادعاء العام» ليكون المسمى «النيابة العامة» لمحاسبة كل من يتجاوز سقف حرية الكلمة والرأي المشروع.