أ.د.عثمان بن صالح العامر
العبادات في الإسلام ليست واحدة، هناك عبادات مشتركة تمتد بالإنسان منذ بلوغه وحتى لحظة موته {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}، وتشمل كل عمل يعمله بني آدم يلبي فيه حاجة غريزية فيه أو يحقق مصلحة خاصة به ويستصحب فيه النيّة الصالحة لله، وأخرى محضة لا يجوز أن تصرف لغير الله ولا يختلط في نيّة صاحبها مع إخلاص العمل للرب والتجرّد من حظوظ النفس الدنيوية التوجه بها لأي غرض آخر، سواء أكان هذا المتوجه له بها نظاماً سياسياً أو شخصاً حياً كان أو ميتاً، ولو كان رسولاً نبياً، أو مذهباً ونحلة تدعي وصلاً بالإسلام أو...، ومن بين هذه العبادات المحضة المحددة نصاً والمعروفة اسماً ورسماً، المبثوثة في كتب السلف والخلف على حد سواء «حج بيت الله الحرام»، إذ متى انحرف العبد في نيته حين أدائه هذا الركن العظيم من أركان الإسلام الخمسة ولو انحرافاً يسيراً صار في عقيدة أهل السنّة والجماعة مشركاً مع الله غيره، ليس هذا فحسب، بل شرط القبول - فضلاً عن «الإخلاص»- المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذا يجب أن يستشعر المرء وقد تجرّد من كل شيء حتى لباسه الذي اعتاد عليه أنه جاء طالباً ما عند الله على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: «خذوا عني مناسككم».
إن من بين الانحرافات التي نرفضها ديانةً ووطنية، والتي لم تُؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن القرون المفضّلة محاولة توظيف الحج توظيفاً سياسياً، وآية الله الخميني وأنصاره أصحاب نظرية «ولاية الفقيه»، هم أكثر من جعل وما زال يحاول أن يجعل من موسم الحج مناسبة للمزايدات السياسية والهتافات العنجهية والشعارات الكذّابة المراوغة، وليس هذا اجتهاداً جديداً في خطاب الملالي ولا هو أمر طارئ في أجندة الساسة الإيرانيين، بل هو من صلب النظرية الخمينية المبثوثة في ثنايا ما صدر منه من أقوال وتصريحات، ومن ذلك قوله مثلاً: «الإسلام دين عبادته سياسة، وسياسته عبادة، والآن، إذ يجتمع المسلمون من شتى بقاع الأرض حول كعبة الآمال لحج بيت الله، وللقيام بالفرائض الإلهية، وعقد هذا المؤتمر الإسلامي الكبير، في هذه الأيام المباركة، وفي هذه البقعة المباركة.. يتوجب على المسلمين الذين يحملون رسالة الله تعالى أن يستوعبوا المحتوى السياسي والاجتماعي للحج، إضافة إلى محتواه العبادي»، والمصيبة العظمى والطامة الكبرى أن ينتقل هذا الداء ويتبنى أطروحة تسييس الحج وتوظيفه توظيفاً يخرجه عن مقصده الشرعي هذا العام دولة قطر، معتقدين أن هذا الصنيع منهم ورقة رابحة يمكن من خلالها الضغط على المملكة، والتأثير في القرار المتخذ إزاء دولتهم جراء سجلهم الذي لم يبقَ فيه موطئ بياض يسمح بقبول اعتذار أو جلوس للحوار.
لقد أكد مجلس الوزراء في جلسته التي ترأسها نائب خادم الحرمين الشريفين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود يوم الاثنين الماضي أهمية توفير أعلى درجات الراحة والطمأنينة والأمان لجميع قاصدي الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، مشددًا في ذات السياق على رفض المملكة لكل الدعوات الهادفة لتسييس الحج مهما كان الأمر؛ لأن الحجاج والعمّار وفد الله تعالى، إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم.
وعملياً رأيت بنفسي كيف كان استقبال أول دفعة من الحجاج الإيرانيين والإندونيسيين والماليزيين في مطار صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن عبد العزيز الدولي بالمدينة المنورة ومثلهم غيرهم سواء في المدينة أو جدة، فكيف بعد هذا كله يأتي الساسة القطريون ليطالبوا بتدويل الحرمين صراحة منكرين كل الجهود التي تبذلها بلادنا الغالية لضيوف الرحمن!!!، مدعين كذباً وزوراً أننا نمنع الحجاج القطريين من أداء مناسك الحج ونضع العراقيل أمام وصولهم البيت الحرام، مع أن تاريخنا يشهد وواقعنا يبرهن أننا لم نمنع أحداً مهما كان عداؤه للمملكة واختلف معتقده ومنهجه وسياسته عمّا نحن عليه، فكيف بمن هم أشقاء وجيران وبيننا وبينهم صلة ودم؟! حفظ الله حجاج بيت الله الحرام ووفقهم لأداء مناسكهم بأمن وأمان، وجزى الله بلادنا المباركة المملكة العربية السعودية كل خير على ما تبذله من جهد وما تنفقه من مال من أجل راحة الحجيج وسلامتهم، وأعان وزراءنا وعلماءنا ورجال أمننا على القيام بما ندبهم خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين للقيام به، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.