جاسر عبدالعزيز الجاسر
بعد الغزو الأمريكي البريطاني للعراق والذي انتهى باحتلاله عام 2003، هجر العرب بلاد الرافدين بعد أن أتاح الاحتلال لعملاء إيران من مليشيات وأفراد، سمح لهم المحتل الأمريكي بالدخول إلى العراق لتتكون عصابات وميليشيات أنشئت في إيران وأعدت للانتقام من عرب العراق، وتصبح الحاكمة الآمرة من مليشيات بدءًا بعصابة بدر التي تخصصت في قتل العلماء والطيارين العراقيين وأساتذة الجامعات، ودفعت قوات الاحتلال بالأحزاب الطائفية العميلة لنظام ملالي إيران إلى واجهة السلطة، فأصبح نوري المالكي «دكتاتورا جديدا» حظي بالدعم الأمريكي والمساندة الإيرانية، ليبدأ سياسياً في محاربة الوجود العربي، وساعده في ذلك عصابات الإجرام الطائفي التي حاربت الوجود الدبلوماسي العربي، إذ قتل سفراء لمصر ودول الخليج العربي ومورست أعمال واستفزازات عدة ضدهم مما جعل الكثير من الدول العربية تغلق سفاراتها أو تقلص وجودها، وخلت أرض العراق من الدبلوماسيين العرب، ولم يكن هنا وجود فعال بعد أن اقتصر الأمر على تمثيل ضعيف لبعض الدول العربية في إفريقيا والتي لم تبدِ أي تصدٍّ فعال للنفوذ الإيراني الذي ظل يكبر ويتنامى حتى أصبح العراق في عهد رئاسة نوري المالكي للحكومات العراقية يدار من طهران.
هذا الوضع الشاذ الذي خيم على العراق استمر طيلة الاحتلال الأمريكي، وتجسد أكثر في عهود الحكومات التي شكلت في فترة الاحتلال بما فيها الحكومات الأخيرة لنوري المالكي التي اتخذت من الإجراءات التي عززت النفوذ الإيراني ليس فقط على حساب الوجود العربي، بل وحتى على حساب المصلحة العراقية والمواطن العراقي الذي أصبح يخضع لتصنيف طائفي وحتى بين أبناء الطائفة الواحدة، فكان العراقي العميل لإيران والمنتمي لمليشياتها وأحزابها يحظى بالمرتبة الأولى، ومن بعده العراقي الذي ظل على ولائه لوطنه ولأمته العربية، وبعده العراقي الذي يختلف في انتمائه الطائفي عن الذين سلمهم المحتلون سلطة البلاد ومن بعده العراقي الذي يختلف عرقياً ومذهبياً وبعدهم أبناء الملل والقوميات الأخرى.
ذلك العراق الذي كان عليه في آخر أيام نوري المالكي الذي استطاع أن يجمع العراقيين أكثر من معارضته وعدائه، رغم المكون السياسي الذي جمعه بعد نثره للرشى المالية والاقتصادية التي كونت ائتلاف ما يسمى بدولة القانون، وبعد التخلص من نوري المالكي وتكوين حكومة جديدة برئاسة الدكتور حيدر العبادي، بدأ العراقيون يرفعون «شعار العراق أولاً»، ومع أن حيدر العبادي كان صادقاً وجاداً في تنفيذ هذا الشعار الذي هو مطلب العراقيين جميعاً باستثناء عملاء إيران، إلا أن نوري المالكي وجماعته الذين كانوا متواجدين وبقوة في كل الوزارات والمؤسسات، فضلاً عن وجودهم القوي في القوات المسلحة والشرطة، عرقل معظم جهود حيدر العبادي الذي وجد مساندة ودعما من قوى وتكتلات سياسية ومن الانتماء الطائفي، مما جعله يصمد أمام كل محاولات نوري المالكي، وهنا كان لا بد من دعم عربي لهذا التحرك العراقي الساعي، استكمال تحرير البلاد من الهيمنة الأجنبية فكان لا بد من حضور دبلوماسي عربي قوي لتعزيز ودعم الجهد العراقي لتعزيز استقلالية القرار العراقي والعودة إلى الحضن العربي، وقد حملت المملكة العربية السعودية المبادرة بعودة قوية للدبلوماسية السعودية التي واجهت معاندة ومقاومة من جماعة إيران، إلا أن الإصرار وترجمة للتحرك السعودي الهادف إلى إنجاح المشروع العربي والتصدي للمشروعات الأجنبية بما فيها المشروع الصفوي والأمريكي، جعل المملكة العربية السعودية تنفذ خطوات العودة إلى العراق بخطوات مدروسة ومتابعة، فتم افتتاح السفارة السعودية في بغداد وتعيين سفير للمملكة وبعدها افتتاح القنصلية السعودية في أربيل ويتوج كل هذا الاندفاع الدبلوماسي بزيارة لوزير الخارجية عادل جبير ثم زيارة وزير الطاقة خالد الفالح ليرد على ذلك زيارات للمسؤولين العراقيين بدأها رئيس الحكومة الدكتور حيدر العبادي ثم وزير النفط العراقي، ويتوج هذا الحضور العراقي زيارة الزعيم الديني والشيعي مقتدى الصدر لتبدأ بعدها التفاعلات الإيجابية، ففي البدء أنشئ مجلس التنسيق بين المملكة والعراق والذي سيرتقي بالعلاقات إلى مستوى استراتيجي متقدم ثم أعلن عن فتح المنافذ الحدودية بصفة دائمة بدءًا بمنفذ جديدة عرعر، وتشغيل الخط الجوي بين السعودية والعراق، حيث ستقوم الطائرات السعودية والعراقية بالهبوط في مطارات البلدين، وأخيراً فتح قنصلية سعودية في النجف.
هذا الحضور السعودي القوي في العراق لا بد وأن يعزز التوجه العراقي للحفاظ على استقلال العراق وهويته العربية وهو الذي سيدفع ويشجع جميع العرب إلى العودة القوية للعراق.