فهد بن جليد
لدي شعور بأنَّ مهنة المُحاسبة من المهن القليلة التي يصعب توطينها في هذه المرحلة، نظراً لحساسية عمل المحاسب لدى الكثير من الشركات، ورجال الأعمال السعوديين، وسرية تعاملاتهم المالية وأرصدتهم، فالمُحاسب في ثقافة مُعظم التجار ما زال هو (أمين السر) الذي يعرف كل شاردة وواردة أكثر من أبناء التاجر السعودي أو القريبين منه، ممَّا جعل المحاسبين غير السعوديين يُعمَّرون طويلاً في وظائفهم، بفضل تلك الأسرار والعلاقة الخاصة مع أصحاب العمل، وهو ما لا يمكن أن يتم بالضرورة مع المحاسب السعودي - الذي قد يغادر في أي وقت -أو لن يقبل أو يخضع لضغوط ورغبات وأهواء بعض التجار في التعديل أو التبديل لأي سبب في الحسابات، في ظل عدم الاعتماد على استخدام أنظمة أو برامج محاسبية, وإن كانت هناك العديد من التجارب الناجحة في البنوك والشركات الكبرى.
المعضلة الثانية أمام التوطين هي قلة عدد الخريجين مع ازدياد حاجة سوق العمل، علماً بأنَّ تخصص المحاسبة من بين أكثر 11 تخصصاً يفضّله خريجو المرحلة الثانوية عند الالتحاق بالجامعة - لا توجد إحصاءات رسمية - عن عدد الوظائف المُتاحة أو حاجة سوق العمل الفعلية، رغم التفاؤل الذي يسود أوساط المُحاسبين بوجود خطط سعوَدة المهنة خلال 4 سنوات قادمة، إلا أنَّ الشكاوى من صعوبات اكتساب المحاسب السعودي للخبرة بدأت تتصاعد لأنَّ بعض المحاسبين القدامى من غير السعوديين (يبخلون بها عليهم) خوفاً على وظائفهم بالطبع، وهذا أمر غير مقبول في ظل تحول الأخطاء من مجرد أرقام، إلى خسارة أموال، ويمكن تجاوز ذلك بإنشاء معاهد تدريب وتأهيل، أو تفعيل فرض التدريب على رأس العمل حتى تتحقق خطوات الإحلال تدريجياً، دون أن ننظر لرغبات التاجر أو مصالحه الشخصية.
سعوَدة مهنة المُحاسبة والمُراجعة قضية هامة جداً للاقتصاد الوطني، ويمكن المُراهنة على نجاح الكوادر السعودية فيها إذا ما هيأنا البيئة المُناسبة وحمينا الأجور، كما يمكن فتح المجال أكثر لهذا التخصص أمام الفتيات، فمهنة المُحاسبة والمُراجعة من المهن المُناسبة جداً للمرأة السعودية، فهي تحتاج للدقة والصبر والمُثابرة والسرية، ويمكن أن تمارسها المرأة في مكان مُستقبل، مما يشجِّع ويُساعد على سعوَدة القطاع وقبول الانخراط فيه مجتمعياً.
توطين الوظائف في كل بلاد الدنيا لا يخضع لتفضيل أصحاب العمل ورغباتهم ومصالحهم الخاصة الضيِّقة، بل هو قرار يصبُّ دائماً في مصلحة أهم وأشمل للوطن وشبابه، وهو ما يجب أن يُدركه وينظر إليه كل رجل أعمال ما زال ينفر ويخشى من أبناء وطنه، ولربما بخل عليهم الكسب من عرق جبينهم.
وعلى دروب الخير نلتقي.