د. محمد عبدالله الخازم
لم يعد خياراً في زمن العولمة وقوانين التجارة العالمية والانفجار المعلوماتي والمعرفي أن تعيش في قوقعتك بعيداً عن العالم وتعتقد أنك تؤدي أعمالك على خير ما يرام، فإما أن تحتك بالعالم وتتعلم منه وتتفاعل معه أو أن تبقى على هامشه. قد تملك أفضل ما لدى العالم من مبان وطرقات ومجمعات جامعية وتعليمية وشركات كبرى، لكن يبقى السؤال ما هي علاقتك الفكرية والثقافية والإنتاجية بكل ذلك؟ هل تنتج وتتفاعل مع العالم وتبتكر أم أنك مجرد مستهلك أو مقلد لا يجيد حتى التقليد؟
سؤالي عن التعليم؛ هل تعليمنا له علاقة بما يدور في العالم من تطورات تعليمية وثقافية وفكرية أم أنه يعيش العزلة التي اخترناها بمحض إرادتنا؟ التعليم العابر للحدود يعتبر سمة عالمية ويشمل تعلمنا ممن هم خارج حدودنا والعكس كذلك. نحن نبعث طلابنا للتعلم خارج الحدود ومسؤولينا يقومون بجولات مكوكية كل حين وآخر لإحدى الدول المتقدمة ونوقع اتفاقيات وتفاهمات مع تلك الدول ونقيم مؤتمر دولي للتعليم، لكن ما هو العائد التفاعلي من كل ذلك؟ كيف ندير تلك البرامج؟ كم نستفيد منها؟ ما هي القيمة التفاعلية الحقيقية التي تنتج عن كل ذلك وتقود لتطوير حقيقي في تعليمنا؟
الأسئلة عديدة، وخلال بحثي وعملي في هذا الموضوع الذي أرجو أن يتوج بإصدار كتاب لم يحدد موعده بعد -أرجو أن لا تعتبر هذه المقالة دعاية مسبقة للكتاب- اكتشفت بأننا نعيش ونتجه نحو العزلة التعليمية ولا يوجد لدينا برامج مؤسساتية في جانب التفاعل والاستفادة من التطورات العالمية في الشأن التعليمي. لدينا اجتهادات فردية ونماذج استهلاكية؛ الحصول على منهج ورقي أو اسم أستاذ ليرفعنا في سلم التصنيف ليس تفاعلاً وإنما شراء سلعة. إحضار متحدثين عالميين قادة جامعات للحديث عن التعليم في دولهم مجرد استعراض لأنهم يتحدثون عن بيئات مختلفة لم نستوعبها ولم نتفاعل معها وخصوصاً في ظل تحول بعض المؤتمرات إلى مجرد مجال لإنتاج (البهرجة)!
ابتعاث آلاف الطلاب للحصول على الشهادات وتأسيس ملحقيات لمتابعة طلباتهم المالية والإدارية أمر طيب، لكنه لا يحدث ضمن إطار تبادل وتفاعل حقيقي بين بيئات التعليم المحلية والدولية. اختيار العزلة تتمثل في العمل على حصول أبنائنا وبناتنا على الشهادات العليا من الجامعات العالمية دون التفاعل مع تلك الجامعات وفق إطار مؤسسي منهجي تبادلي ممتد إلى نواحٍ أكاديمية ومعرفية وثقافية أخرى.
فكرة العزلة مزعجة، أخشى مبالغتي في وصفها! أتمنى أن أجد، في بحثي، ما يقنعني لتغيير حدة وصفي لتعليمنا (العالي والعام) بأنه يعيش العزلة وغير قادر على الاستفادة من التطورات العالمية المتقدمة لأنه لا يملك روح التفاعل والتبادل المعرفي الحقيقي كما نصبو إليه. وجدت العديد من الاتفاقيات التي دشنتها وزارة التعليم والجامعات ذات العلاقة لكن جوهرها سطحي ونتاجها وعمرها محدود بفكرة استهلاكية متواضعة، تفتقد أو يغيب عنها الدعم الفكري والثقافي والمؤسسي والمادي. أرحب بمن يمنحني معلومة تسهم في دعم ما أعمل عليه، مذكراً بأنه حتى في البحث العلمي ننساق أحيانا تجاه فكرة محددة ونحتاج من يعيدنا إلى طريق الحياد العلمي والصرامة المنهجية بعيداً عن الانفعال والعاطفة والأيدولوجيا...