محمد سليمان العنقري
نشر موقع «أرقام» تقريرًا قبل أيام يظهر انخفاض القيمة السوقية لاستثمارات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بالشركات المدرجة بالسوق المالي السعودي بنسبة 26.5 في المائة عن العام الهجري 1437 قياسًا بالعام الذي سبقه حيث كانت تبلغ قيمتها السوقية 113 مليار ريال وانخفضت إلى 83 مليار ريال وهو انخفاض كبير بلغ حجمه 30 مليارًا مما يمثل صدمة للمشتركين ويطرح تساؤلاً حول كفاءة إدارة الاستثمارات بالمؤسسة؟
معلوم أن تغير الأسعار للأصول المدرجة بالأسواق المالية هو القياس لحساب القيمة السوقية بنهاية كل فترة سواء يوميًا أو فضل أو عام حيث يتم ضرب عدد الأسهم بالسعر فتظهر القيمة السوقية وهو ما يعني أن تغير السعر المستمر الذي هو من طبيعة حركة الأسواق المالية ينعكس بالقيمة السوقية للورقة المالية، ودور المستثمر المؤسسي أن يتعامل مع هذه التغيرات وفق إستراتيجية واضحة تقلل المخاطر من التقلبات العالية وليس البسيطة كجني الأرباح أو التصحيحات الخفيفة لكن ما حدث خلال العامين الماضيين أن التصحيح كان كبيرًا بالسوق المالي المحلي فلماذا لم تحتاط المؤسسة لذلك وهي التي ضمنت تقريرها أنها «تعتمد على خطة إستراتيجية طويلة الأجل في إدارة استثماراتها بناء على دراسات وخبرات متراكمة بهدف تخفيض المخاطر الكلية والتركيز على الاستثمارات المحلية المجدية «فانخفاض بنسبة 26.5 بالمائة ليس عاديًا حتى وإن تضمن تخفيضًا كبيرًا بنسبة استثماراتها بشركات كبيرة مثل معادن وأسمنت الشرقية واليمامة لكنه لا يصل لاستيعاب معنى تراجع بحجم 30 مليار ريال خلال عام!! فكان يفترض التحوط جيدًا للاستفادة من الفرص التي تتاح بكل تصحيح كبير إضافة إلى أن طبيعة الأسواق الناشئة أنها ذات تذبذب مرتفع وتصحيحاتها الكبيرة تكون خلال مدد زمنية قصيرة نسبيًا تراوح خلال عامين إلى ثلاثة بأبعد تقدير، ومعروف أن المؤسسة تركز على العوائد أكثر من تغير القيمة السوقية لكن مثل هذه التغيرات الحادة بالأسعار قد يكون ناجمًا عن تراجع متوقع بالعوائد وانخفاض بالتوزيعات النقدية وهو ما شهدته فعلاً عديدًا من الشركات التي تستثمر بها المؤسسة أموال المشتركين البالغ عددهم 10 ملايين منهم 1.8 مليون سعودي وهم الأهم لأنهم من يدفعون سنويًا أكثر من 21 مليار ريال رسوم اشتراك لضمان تقاعد مجزٍ لهم بينما تنحصر لشتراكات الوافدين بمبالغ لا تزيد عن 3 مليارات ريال ويستفيد منها المشترك الوافد بتغطية الأخطار المهنية ومن يسدد الاشتراك عنهم المنشآت التي يعملون بها، ومن هنا يبرز السؤال هل فعلاً تدار الاستثمارات بالمؤسسة تحت رقابة صارمة كما ذكرت بتقريرها؟ ومن هي الجهة التي تراقب أداءها فمجلس الشورى يطلع على تقرير سنوي من المؤسسة ويبدي ملاحظات مع بعض الاستفسارات فقط لكن أين هي الجهة التي تراقب بشكل دوري أداء المؤسسة؟ هل هو مجلس الادارة؟ فما هي الآلية التي يتبعها بتقييم استثمارات المؤسسة ومايير اختيار من يديرها خصوصًا أنه تمت موافقة مجلس الوزراء الموقر على إعادة تشكيل مجلس إدارة المؤسسة لدورة جديدة؟ فهل يطور المجلس الجديد من طرق الرقابة على الأداء بعيدًا عمّا تم بمجالس سابقة؟
إن أحد أهم الحلول تطبيق الحوكمة بالمؤسسة وهيكلة إدارة الاستثمارات وتحديث معايير عملها واختيار موظفيها وكذلك الجهات الاستشارية التي تقدم نصحها للمؤسسة وأيضًا من يقيم ويراقب أداءها، فاذا كانت المؤسسة قد حققت بعض النجاحات السابقة بتوزيع استثماراتها فإن الوضع الحالي والمستقبلي يتطلب خطة إستراتيجية جديدة لإعادة توزيع استثمارات المؤسسة التي هي أموال المشتركين وذلك يتطلب تغييرًا جذريًا بهيكلة إدارة الاستثمار وحوكمتها ورقابتها ومدى استقلاليتها بقراراتها فما ظهر بالتقرير لا يشمل إلا جزءًا من الاستثمارات ولا يمثل كل الأصول فأين تتوزع استثماراتها الدولية؟ وكيف تدار وما هو العائد منها؟ وكذلك كم تبلغ استثماراتها بالسندات أو الصكوك المحلية إن وجدت وأيضًا حجم الأصول العقارية غير المستغلة؟ وما العائد من الأصول العقارية المستغلة كالمراكز التجارية وغيرها؟
انخفاض القيمة السوقية لأحد أهم مراكز استثمارات المؤسسة بالسوق المالية المحلية بهذه النسبة المرتفعة فتح التساؤل على استثماراتها بالكامل؟ وكيف تدار وما مستقبلها؟ ولماذا لا ينشر تقرير سنوي مفصل للجمهور؟ فمن حق المشترك معرفة كيف تدار أمواله التي تمثل مستقبل دخله التقاعدي خصوصًا أن المؤسسة قالت إنها لا تعاني نحو 60 عامًا قادمة من أي عجز حسب خبيرها الاكتواري أي حتى عام 2075 م فلماذا صدعت رؤوس المشتركين بمخاطر التقاعد المبكر على التزاماتها وجعلت الكثير يقدم على طلب التقاعد المبكر خلال العامين الماضيين تخوفًا من أي تغيير بشروطه ما دامت تتمتع بهذه الكفاءة الاستثمارية لمواردها العا لية التي تفوق ضعف ما تنفقه سنويًا على منافع التقاعد وبذات الوقت تفاجأ الجميع بهذا الانخفاض الكبير بالقيمة السوقية لأصولها بالسوق المالية فأين الحقيقة والخلل؟ هذا ما نتمنى على مجلس الإدارة الجديد أن يجيب عليه المشتركين بعد أن يبدأ مهامه.