جاسر عبدالعزيز الجاسر
الوصول إلى موقع القيادة الإقليمية أو حتى الدولية لا يتحقق بمنحه من دولة كبرى وليس بالوفرة المالية، بل هناك العديد من المقومات والقدرات التي يجب توافرها للدول حتى تكون تلك الدولة محورية ومشاركة في صنع القرار الدولي وحتى الإقليمي، لأن وقت الدولة التي تنفرد بالقيادة وتصبح في القمة ولى ولم يعد مقبولاً، فدولة صغيرة لا تملك نصف ما تمتلكه الدول الطامعة للقيادة يمكن أن تعرقل طموح الدولة الكبرى وتفشل مخططاتها، ولهذا فقد استعان المحللون وأساتذة العلوم السياسية والإستراتيجية بمصطلح الدولة المحورية أو الدولة الأكثر نفوذاً والمؤثرة على صنع وصياغة القرار الدولي أو القرار الإقليمي في محيطها الإقليمي أو القاري، والدول التي تحقق هذه المكانة لا تعتمد على الوفرة المالية ووجود فائض كبير من الأموال والأرصدة تكون لها نتيجة قلة عدد سكانها وتقلص التزاماتها المحلية والدولية فتوظف ذلك الفائض لصنع مكانة دولية أو إقليمية لتزاحم فيه الدولة التي تملك مقومات أساسية للدولة المحورية.
الدول التي تصل إلى هذه المكانة تتوافر لها مقومات وإمكانات متعددة، فبالإضافة إلى المكانة الاقتصادية وحسن الإدارة المالية لما تمتلكه من موارد لا بد أن يترافق مع ذلك مقومات أساسية كعدد السكان وموقع الدولة ومساحتها وعمقها التاريخي ودورها في التطور الحضاري، وإدارتها لما تجود به أرض الدولة من خامات تضاعف قيم إيراداتها إذ ما استثمرت الاستثمار الجيد الذي يضاعف ثروة شعب تلك الدولة الذي تتضاعف أهميته بقدرته على الإدارة الفعالة لموارد بلده، وبهذا يعوض زيادة السكان بزيادة الفعالية والقدرة، وبهذا يمكن ردم عدم وجود أحد مقومات الدول المحورية التي تصل إلى المكانة الأولى أو تشارك دولاً أخرى هذه المكانة، كالولايات المتحدة الأمريكية التي عوضت عمقها التاريخي وعدم إسهامها في التطور الحضاري في القرون الأولى للبشرية، بإنجازات علمية وحضارية خدمت البشرية إن لم تكن أكثر مما سبقها من أمم أو دول فإنها توازي ذلك.
والوصول إلى هذه المكانة هو التوظيف الصحيح والمتقن بجميع مسارات تحقيق التميز للدولة، وذلك بإطلاق تطور وتطوير المسارات التي تسلكها المجتمعات والدول لإشباع حاجيات الأمة والشعب، وذلك بالاهتمام بالأهم ثم المهم من احتياجات المجتمع، وفي هذا العصر نجد أن الأمم والدول تركز اهتماماتها إلى التعليم ثم الصحة وبعدها الخدمات الاجتماعية، فبالعلم ترتقي الأمم والشعب والأمة التي يتمتع أبناؤها بخدمات صحية، وتتوافر له الخدمات الاجتماعية التي تجعله يعيش حياة كريمة وتدفعه إلى الإبداع وإلى الانصهار بوطنه وأرضه على عكس الدول التي تركز كل اهتماماتها ببناء القوة وصنع مكانة زائفة معتمدة على تكوين قوة عسكرية، بل تذهب إلى أكثر من ذلك بعسكرة المجتمع وربط اقتصاد البلاد باقتصاد عسكري تهيمن عليه المؤسسات العسكرية سواء كانت تقليدية أو مستحدثة تعتمد على الشحن الأيديولوجي، وهو ما نراه بوضوح في إيران التي يسعى ملالي إيران الذين يسيطرون على السلطة إلى فرض اقتصاد عسكري يمتص كل موارد البلاد مثلما أوضحت الميزانية الأخيرة لإيران التي خصصت ميزانية إضافية للحرس الثوري، وبالذات ذراعه الإرهابية فيلق القدس.
تحويل البلاد وعسكرة المجتمع ووضع الاقتصاد في خدمة تحقيق الأطماع الإقليمية عبر بناء قوة عسكرية على حساب حاجيات الشعب والذي تسير عليه إيران سيقودها إلى الانهيار عاجلاً أو آجلاً مثلما حصل لدول أخرى سارت أنظمتها على ما يسير عليه نظام ملالي إيران، أما الدول التي تسير وفق الأسس العلمية والمتطلبات المنطقية لتطور الدول والشعوب، فتركز اهتماماتها على التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية دون إغفال بناء قوة عسكرية وأمنية قادرة على الدفاع عن مكتسبات الأمة والوطن، ولكن ليس على حساب الاحتياجات الأخرى، والذي يدرس ميزانية المملكة العربية السعودية، يجد أنها خصصت نسبة 25 بالمائة للتعليم، وبعدها يأتي الاهتمام بالصحة والخدمات الاجتماعية، مع مواصلة دعم وبناء قوة عسكرية وأمنية قادرة على الدفاع عن الأمة والوطن.