هدى بنت فهد المعجل
نتصور جميعاً أن الفعاليات الثقافية مؤشر وعي، علامة تقدم، دلالة انفتاح، بشرى توسع حضاري، وارتفاع سقف الحرية الفاعلة المنتجة المتزنة والبناءة. فهل إذا كانت الفعاليات تولد ذلك نعرقل سيرها، نقنن حضورها، نعيق حركتها، أو نضعها تحت مجهر التنقيب والشك والريبة ثم الرفض والحذف والإلغاء؟!.
لا أعتقد ذلك، بل أزعم العكس.
الكتب: مخزون الثقافة ونفطها الذي لا يتناقص أو يقل أو يستغنى عنه، بل هي: المادة الخام التي إذا أعيد تصنيعها وإنتاجها أو تحقق الاشتغال عليها أثمرت مواد ذات قيمة فاعلة وعطاء لا ينضب. الكتب التي إذا تناولناها مع وجبة إفطارنا والغداء ثم العشاء لم نشبع ولا تتخم ولا تضر أو يهلك متناولها؛ وبالتالي فالقراءة ليست هواية، إنما هواء، إن لم تكن هواء الهواء، فمن يملك العيش وسط حيز انعدم فيه الهواء، هواء الهواء؟.
المكتبات تزخر بالكتب، لكن الغالب على الشعوب العربية ضعف علاقتها بها، بالكتب. إذن فنحن نتفاءل ونستبشر خيراً كثيراً مع المعارض الدولية والمحلية في تحسين علاقة الشعوب بها. أيضاً نُحسن الظن بذائقة القارئ ووعيه وبعقله الفردي الذي إذا ما صقل وتثقف واطلع وقرأ سيُشكّل منظومة عقل جماعي ينفتح المجتمع بها ويتطور أو يواكب التطور والتقدم البشري الذي لم تكبله الوصاية وشرائح الفولاذ المصبوبة أو المبنية في وجهه.
التفريق بين المادة الحسنة والجيدة، والتمييز بينهما لن يتأتى ونحن لا نعرض سوى مادة ونغلق الصندوق على المادة والمواد الأخرى.
من الألوان الأساسية: الأحمر والأصفر والأزرق، ومنها نبتكر ألواناً أخرى فرعية. كيف ستتعدد الألوان الفرعية المبتكرة لو حجبنا لوناً في منظومة الألوان الأساسية؟!.
حبذا التعامل مع الكتاب على اعتبار أنه لون، تعاملنا معه كفكر وثقافة ووعي؛ وبالتالي نلون الإنتاج أو الإبداع الناتج منه بلون أساسي حينما يكون هرماً في الإبداع والابتكار.. أو بلون فرعي إذا جاء أقل من الإبداع والابتكار المرتجى. ليس لأن الناتج سيئ وإنما كي نفرق بين الأساس والفرع. ونؤكد على مسألة انبثاق الفرع من الأساس، وأن الأساس لو استمر أساساً تجمدت الطبيعة ولم ينبثق من اللون الأساس لون فرعي يجدد روح الطبيعة ويغذي بصر المتلقي ويكسر حاجز الاعتيادي والمكرر والتقليدي والتبعي.
الكتاب كالطبيعة.
الطبيعة لا تنفك تهبنا لوناً جديداً، لو أرجعناه إلى منظومة الألوان الأساس أقرت تلك الألوان بصلته بها وانتسابه إليها.
تدرجات ألوان الطبيعة درجت ذائقة المتلقي وعددتها تعدد الألوان التي تبدعها الطبيعة أو يبدعها الرسام التشكيلي في محترفه وخارجه.
الطبيعة التي لونت قشر الموز باللون الأخضر نقلته إلى اللون الأصفر ليصبح معدًّا للتناول، تنقل خضراوات عدة وأشياء كثيرة، تلون وتنقل الكتاب وانبثاق الفكرة الفرع من الفكر الأساس.