د. سعد بن عبد العزيز الراشد
أهل العلا لهم سبق في مسيرة التعليم، وتخرّج من أبنائها عدد كبير ساهموا في نشر العلم والمعرفة في مختلف أنحاء المملكة منذ بداية تأسيس التعليم في عهد الملك عبد العزيز-طيب الله ثراه- ، وتقلد عدد من أبناء العلا مراكز قيادية في الدولة، تعليمية وصحية وعسكرية وغيرها، وهم محبون للعمل، وغيورين على تاريخ المنطقة وتراثها العريق، ومعالمها الطبيعية، كيف لا وقد وصفها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز-الذي زارها عندما كان أميراً للرياض- بأنها «عروس الجبال». والعلا موعودة بتكامل كلياتها العلمية والإنسانية، بنين وبنات، لتصبح جامعة متكاملة، ولذا فالأمل إن شاء الله أن تخدم مخرجات هذه الجامعة أهداف الهيئة الملكية لتطوير محافظة العلا، كما أن خدماتها الصحية تشهد تطوراً متنامياً، لكنها بحاجة للمزيد من الخدمات الطبية، والكوادر الفنية المؤهلة، والتخفيف من معاناة سكان المحافظة والمناطق المجاورة لها.
ولعلّ أهم ما تحتفظ به الوحدة الإدارية والجغرافية لمحافظة العلا، هو مكونها التراثي وآثارها المتنوعة، ومن أهمها: آثار مدائن صالح (الحجر)، و(آثار الخريبة)، حاضرة دادان ولحيان، وبلدة العلا القديمة، وآثار مدينة قرح الإسلامية (المابيات)، ومعالم وآثار طريق التجارة القديم، وطريق الحج، وسكة حديد الحجاز، هذا عدا مئات الرسوم الصخرية، والكتابات القديمة والنقوش الإسلامية المنقورة على الصخور، والمناطق الطبيعية الخلاّبة، ويكفي محافظة العلا فخراً، أن أرضها تعد بوتقة تطور الخط العربي (المكي والمدني)، فقد اكتشف فيها عدد من الخطوط العربية التي تُبيَنْ المرحلة الانتقالية للخط العربي من الفترة الجاهلية إلى فترة ظهور الإسلام، وقد اكتشف في العلا أقدم نقش إسلامي في الجزيرة العربية، مؤرخ بسنة 22 هـ، وقد تم تسجيله في ذاكرة العالم لدى اليونسكو. هذا التراكم الحضاري إن شاء الله باقٍ، والاكتشافات الأثرية والدراسات العلمية تتوالى. وقد أعطت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني لهذا الموروث الثقافي اهتماماً خاصاً بدأت بتسجيل الحجر(مدائن صالح) على قائمة التراث العالمي، وعملت على تطوير معالم التراث الإسلامي وتوظيفه للتعريف بتاريخ الموقع من عصور ما قبل التاريخ مروراً بالعصور الإسلامية حتى الوقت الحاضر، وفي مدينة العلا متحف آثاري مميز، يعرض للزائرين نوادر القطع الأثرية المكتشفة في المنطقة، وتعمل هيئة السياحة والتراث على تطويره ليتماشى مع تنامي تدفق الزوار للمحافظة وتسارع الاكتشافات الأثرية في المنطقة إذ أكملت التصاميم لإنشاء متحف كبير يليق بمكانة العلا في خارطة التاريخ والحضارات، كما أن جامعة الملك سعود أسست منذ سنوات مركزاً للأبحاث العلمية، ويقوم فريق آثاري متخصص بالتنقيب في موقعي الخريبة والمابيات (مدينة قرح الإسلامية).
وقد وضعت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في الحسبان، تطوير حي الدرع التراثي في العلا القديمة وإعادة الحياة إليه، وترسيخ ذاكرة المكان تاريخياً وحضارياً، ووضعت برامج للفعاليات الثقافية والتراثية على مدار العام، بالتنسيق مع إمارة منطقة المدينة المنورة، ومحافظة العلا ومشاركة المجتمع المحلي، وما قامت به الهيئة من جهود في محافظة العلا هو تنفيذ لتوجيهات الدولة واهتمامها بهذا الجزء العزيز من بلادنا الغالية.
ولذلك فإن الهيئة الملكية لتطوير محافظة العلا، ستجد أهم شريك لها في تطوير العلا هي (الهيئة العامة للسياحة والتراث والوطني)، التي كانت سباقة في برنامج التحول وتحقيق رؤية المملكة 2030، حيث وضعت خطط إستراتيجية للتنمية السياحية في مختلف مناطق المملكة بعامة والعلا بخاصة. ويعد برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري في المملكة، المظلة التي تحدد مسارات واضحة للتراث الحضاري في منظومة مترابطة تهدف إلى تحقيق الحماية والمعرفة والوعي والاهتمام والتأهيل والتنمية بمكونات التراث الثقافي الوطني وجعله جزءاً من تاريخ المواطن والتأكيد على الاعتزاز به وتفعيله ضمن الثقافة التوعوية للمجتمع، كما أن إمارة منطقة المدينة المنورة بما لديها من براعة أظهرتها في إدارة المبادرات التنموية، وإدارة للمشاريع النوعية مثلما حصل في المنطقة المركزية للمدينة المنورة وتطوير محافظة ينبع، يجعل منها شريكاً رئيساً ينتظر من الهيئة الملكية إعطاءه دوراً رئيساً في مراحل التخطيط والتنفيذ.
ولعلي أختم حديثي بوضع عدد من المقترحات أمام رئيس ومجلس إدارة الهيئة الملكية لتطوير محافظة العلا وهي:
1- إن آثار العلا تعد امتداداً لنسيج حضاري مترابط وحلقة وصل مع المناطق القريبة والبعيدة من العلا، ومنها تيماء وخيبر، وتشمل كذلك السهل والشريط الساحلي للبحر الأحمر الذي سبق أن اعتمدت الدولة ما رفعته هيئة السياحة والتراث الوطني من إستراتيجية لتطويره سياحياً واستثمار موانئه التراثية ومواقع الآثار المطلة عليه وظهيرها الجغرافي وكان جزءاً منها يشمل العلا وما حولها، ولذلك فإن أي تطوير للعلا لا بد أن يصل أثره ليشمل المحافظات الغنية بالتراث مثل بدر وخيبر وتيماء، لتهيئة مواقعها المميزة والعناية بتراثها الحضاري، ومكوناتها الطبيعية بما يجعلها وجهة سياحية تتكامل مع محافظة العلا.
2- يجب أن ننظر للعلا أنها من مواقع التاريخ الإسلامي المهمة، وأنها من أهم المواقع التاريخية على مسار «المملكة وجهة المسلمين» الذي قدمته هيئة السياحة والتراث واعتمدته الدولة ضمن مشاريع التحول الوطني.
3- مهم جداً أن يكون التنسيق شاملاً مع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في المشاريع التنموية والاستثمارية التي تقرها الهيئة الملكية لتطوير محافظة العلا وأن يكون لهيئة السياحة تمثيل في مجلس إدارة الهيئة الملكية، وشراكة كاملة في الجهاز التنفيذي للهيئة الملكية، خصوصاً ما يتعلق منه بالآثار والتراث العمراني، أو التنمية السياحية، والتوعية والتعريف بالتراث الحضاري فيها.
4- ولأن المكون الجغرافي والطبيعي لمحافظة العلا ما زال بكراً إلى حد كبير، فنأمل من الهيئة الملكية لتطوير محافظة العلا أن تحدد في مهامها وأهدافها، هوية محافظة العلا، وأهمية المحافظة على البيئة والحد من التشوه البصري، ولدى إمارة المدينة المنورة ومحافظة العلا وبلدية المحافظة نواة لهذا المشروع بناء على ما قدمته الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني.
5- أملنا كبير أن يكون توجه الهيئة عند تنفيذ برامج الاستثمار والتنمية في العلا، متوازناً ينعكس على المجتمع المحلي، من حيث فرص العمل، والمشاريع الاقتصادية.
ونتطلع إن شاء الله أن تخرج آليات عمل الهيئة في الأشهر القادمة-حسب توجيه المقام السامي- بما يحقق هذه المقترحات.
والله الموفق،،،