سمر المقرن
تروي لي صديقة تعيش في مانشستر عن التحول الكبير الذي حدث في حياة المانشستريين بعد التفجير الذي حدث في شهر مايو الفائت، أثناء حفل مغنية البوب أريانا غراندي، والذي حدث بتدبير من داعش.
حديثي اليوم ليس عن هذا التفجير، إنما عن تفاصيل الحياة وكيف سارت في تلك المدينة بعد التفجير، والتي روتها لي إنسانة تعيش بينهم وقادرة على نقل التفاصيل بكل الحس الإنساني الذي كان يحف بالمدينة، إذ ولأكثر من شهر كان الناس يقفون مع بعضهم البعض دون أي عنصرية تجاه جنس أو لون أو ديانة، فتقول صديقتي كان خوفي من أن أتضرر وزميلاتي مما حصل كوننا عربيات ومسلمات، وما حدث من الناس سواء في الجامعة اللاتي يدرسن بها أو في الشارع أو في السوبرماركت كان على العكس تماماً، بل كان تعاطفهم مع البنات المسلمات مضاعفاً كونهن ضحايا لما حدث باسم الإسلام. أما الحياة فكانت مختلفة تماماً لأكثر من شهر، فأصبح من الطبيعي المرور في أي شارع وتجد على أبواب البيوت والبنايات لافتات تؤكد بوجود مكان لاستضافة أي متضرر من التفجير، سواء من تضرر منزله أو من يسكن في المناطق التي حصل فيها إخلاء من قِبل قوات الأمن، في وقت من الصعب أن يثق الناس فيه بإدخال شخص غريب لمنزلهم. وتكمل: من الطبيعي جداً رؤية طاولات الطعام في الشوارع والأكل المخصص للمتضررين من التفجير، بل وطاولات القهوة والشاي، وهذا كلّه من الناس أنفسهم ومن شعورهم بالمسؤولية وقوة الرابط الإنساني بين الناس بعضهم البعض هناك، أما الصور المذهلة التي شاهدتها لساحة مانشستر الرئيسية وكيف تحولت إلى ساحة مغطاة بالزهور والبالونات التي تحمل مجسمات القلوب الحمراء، وكل هذا من الناس أنفسهم وليس بدعوة من جهة أو مؤسسة، ما يجعل كل منّا بحاجة إلى تأمل هذه المشاهد الإنسانية شديدة العمق في معانيها، وحس المسؤولية العالي لدى الناس وأنهم لم يتركوا المتضررين من باب أن كل شخص كفيل بتدبر أمره أو أن الحكومة هي المناطة فقط بتدبر أمر الناس المتضررة.. هذه المشاهد وغيرها هي دروس في المسؤولية والحس الإنساني المتجرّد من أي منفعة شخصية دنيوية أو أخروية.
بصدق هي حالة تستحق التأمل ونحن نصادف يوم غد اليوم العالمي للعمل الإنساني، والذي تحتفل به الأمم المتحدة ويحمل هذا العام شعار بعنوان: (لست هدفا).. وأذكر المشهد الذي حدث في مانشستر ليكون أنموذجاً حقيقياً للإنسانية.