د.فوزية أبو خالد
بودي لو نأخذ التجارب الصغيرة، الأماني الصغيرة, المحاولات الصغيرة مأخذا الجد فقد تكون تلك البراعم الناعمة، الشمعة التي نغيظ بها الظلام، وقد يكون كهرمانها الخافت النعمة التي نكيد بها للحرمان وقد يكون عبيرها الخجول الرائحة التي نستدل بها على الجرح. ومنها تلك المغامرات العزلاء التي يجترحها شباب لا خبرة سابقة لديهم في مجالاتهم الجديدة كالمجال السينمائي بما يسلبهم فضيلة أن يكون هناك من يرشدهم ولكنه يعوضهم بفضيلة أن ليس هناك أيضا من يعقدهم.
****
اجتاحتني ريشة من الفرح وسط وحول الحيرة وبحور الحزن وكهوف الظلمة التي نمر بها اليوم في كون تتلاطمه القوى المتضادة ونحن في هذا الجزء المنكوب منه لا نستطيع إلا أن نعيش يوما بيوم بعد أن انسحب من تحت أقدامنا العالم الذي نعرف دون أن نعد بما يكفي لخلق عالم بديل من صنعنا ودون أن نتحلى بما يكفي من البصيرة والصبر لنخلق أحلاما جديدة غير تلك التي انمحت مع ما كان من تواريخ تلك المراحل الكفاحية التي انتهت مع نهاية القرن الماضي دون أهدافها العادلة.
****
المفارقة أن كلمة أيقظني مسمى الفيلم الذي مثلنا عربيا وسعوديا مؤخرا في مهرجان مدريد السينمائي للأفلام القصيرة صيف 2017م تأتي محملة بدلالات شعرية وسياسية واجتماعية في هذا الوقت العربي العصيب مع دلالاتها السينمائية السافر منها والغامض.
****
أيقظني عربيا من استبدال العراق بالقواعد العسكرية، من إراقة الدم والحبر مرة أخرى في مياه دجلة والفرات، أيقظني من تمزق سوريا إربا ومن تشتت شعبها وشِعرها في الشتات، أنقذني من كوليرا أطفال اليمن وعودة صرخة نازك الملائكة في وجه الوباء الأصفر وردم الموتى في سد مأرب، أنقذني من تقزم مصر وكوابيس ليبيا والتواطؤ على كلمة شرف كانت تجمع شتات الوطن العربي ما بعد سايكسبيكو اسمها فلسطين. أنقذني من انقسامات الخليج وعودة أحجية في الصيف ضيعت النفط نشطة حيوية على مشارف العقد الثالث من الألفية الثالثة.
****
أيقظني من تكالب قوى الهينة العالمية والإقليمية من جديد على ما يسمى بالأمة المستهانة/ المريضة بنا بعد أن ظننا أننا نجونا جزئيا من افتراسهم للرجل المريض.
****
ولكن من يستطيع حقا أن يوقظنا.. وهل لي الحق أن أحمل مسمى فيلم مس خيالي الشخصي بهذا الشكل الخلاب كل هذه الحمولة الباهظة من الاستلهام أو الاستيهام.
****
ربما لا تملك البراعم أن ترد العاصفة ولكنها قد تملك الأمل لتقاوم ضلالات الريح أو هكذا أتمنى. ولن أتخلى عن عصف الأماني لركود الاستسلام أو جبروت الجبن.
****
أيقظني هي الكلمة التي يحيا حلمها ويطلق نداءها من نياط قلبه المجتمع السعودي الذي عاش أزمة منتصف طريق التنمية وأزمة أنصاف الحلول وأزمة تأجيل القضايا الكبرى لآجال غير مسماة منذ ذروة انحسار طفرة النفط الأولى إلى مشارف رأس الجليد لقاع ما يبدو من جزر موجة الطفرة النفطية الثانية.
****
أيقظني عندما نريد أن نفيق من كابوس يجثم على المجرى الطبيعي للحياة العامة ويكتم أنفاس الفرد والجماعة معا.
وأيقظني عندما نكون متعلقين بعناقيد مواعيد مشوقة.. موعد مع عمل يخرجنا من سلطة البطالة، موعد مع رحلة مثيرة نكيد بها لسلطة كمين الاستكانة لأحادية المعلوم، موعد مع فيلم يوقظنا. فكيف عندما لا تكون كلمة أيقظني ليست مجرد عنوان لفيلم بل تعبير عن حلم الصبايا في حياكة ثوب الريش كأسطورة البجعات الإنسيات ليحلقن بنا نحو سماء العالمية.
****
لقد أيقظ فيلم أيقظني, في نفسي تلك البنت الغافية عدة عقود على فيلم «صغيرة على الحب» بأحد بساتين الطائف في الفيصلية أو المثناة, و»صوت الموسيقى لجولي إندرسون بحفل مدرسي بمدينة جدة، لتصحو تلك المرأة المعمرة في عشق الشعر وكل أشكال إلهامه من قُبلة ثرى الجزيرة إلى لثم سمواتها, ومن تجارب العشق المريعة المعتقة في عوالم بعيدة لأفلام عالمية مثل ذهب مع الريح وآناكرنينا ومن أجل أبنائي، وغاندي والعراب وقلب شجاع إلى براعمه الطرية في إبداعات شباب اليوم على أرض لم تكن معدة للأفلام فصارت مرتعا للأحلام. فلتلك الأرض البكر تنحاز عواطفي وذائقتي حيث الخروج على هيمنة هوليوود بعدسات الشعوب المجردة غير المدججة بتمويل الإنتاج الرأسمالي المتعالي.
****
فكيف عندما يصير ديوان شعر متمرد على العروض أو رواية بنات مدينة صحراوية نائية أو أفلام مرفوة من أحلام الصبايا والشباب طريقا موحشا غير معبد إلا بالأمل وغير آهل إلا بالأخيلة؟!. كيف عندما يصير ذلك الطريق أو المضيق مسعا ومسرا للحالمين... هيفاء منصور، عبدالعزيز الفريح، محمود صباغ، بدر الحمود، رائد الشيخ، محمد الهليل, عمر فلاته, موسى آل ثنيان، عبدالعزيز صندقجي، آمنة بوخمسين, بشائر نجدية, أبرار قاري, مها ساعتي، هند جمبي، هند فهاد، هناء العمير, ندى مجددي, إيمان الغامدي, طفول العقبي وعدد آخر من أولئك الملتاثين بالشغف.
****
فراية اسمها ريم البيات وسارية اسمها سمر البيات وفنار اسمه إبراهيم الحساوي وشاعر اسمه أحمد الملا وصرخة اسمها أيقظني ليست إلا رمز لبطولة التجريب الإبداعي الشبابي للخروج على العدم العام. أن يُخال أن خيال حرية صغيرة بحجم وطن تستطيع قض مضاجع السبات فذلك ما يسمى بموهبة الأمل.
أخيراااا:
«لأكن اليوم نحاتا
يحدق في صخرة الحياة»
من قصيدة محاولة ديوان أجمل أخطائي لأحمد الملا.