لعل أشهر شفتين قبضت على صفارة التحكيم في العالم الحكم الإيطالي بيرلويجي كولينا. ولست أنا من يمنح الأفضلية بل موقع الفيفا للتاريخ والإحصاء، إلا أن ذلك لم يمنع الاتحاد الإيطالي من إيقافه بعد احتسابه ضربتَي جزاء لنادي روما أمام فينيسيا في أقل من دقيقتين. ولم يكن الإيقاف نتيجة الدقائق البسيطة التي تفصل بينهما بل لعدم صحتهما؛ وتم إيقافه أسبوعًا، كان سيشهد فيه لقاء مهمًّا بين اليوفي (ناديي المفضل) وميلان في الدلي لبي، وأيضًا عدم إسناد أي مباراة يكون فيها الأندية الأربعة المتقدمة لكولينا (والتاريخ يسجل لمن يحب أن يضع له اسمًا في أسطره). كل ذلك أيضًا لم يمنع الشرطة الإيطالية أن تضع حراس أمن على منزل كولينا بمجرد تلقيه رسائل تهديد جدية حفاظًا على النجم كولينا الذي أعلن اعتزاله بعد أن تلقى عرضًا من إحدى كبرى الشركات لرعايته، بلغ 800 ألف يورو 4000000 ريال؛ لتعارض المصالح.
أقول: هنا لا أطالب هيئة الرياضة أو الاتحاد السعودي بأن يضع حراس أمن على منازل الحكام، وأربأ بمجتمعنا أن يضر أخاه المسلم، ولكن أعتقد أن المبلغ أعلاه يدعو إلى التمعن والتفكير والأحلام والأوهام وقليل من الإدراك بأن المال هو عصب الحياة، فماذا يقدم التحكيم للحكام هناك؟ وماذا يتحملون من النقد؟ وكيف؟ ومقابل كم؟؟ والسؤال نفسه للحكام السعوديين هنا.. كم؟؟
لا أعتقد أن المبلغ المقدَّم لهم يقدم الشهية المفتوحة لتحمُّل كل المشقة المترتبة عليه؛ وعليه يجب على الاتحاد السعودي إذا كان يهمه فعلاً موضوع التحكيم وتطويره أن يجد الحلول الصحيحة، وليس الحلول (التضميدية) بحل لجان أو غيرها من الحلول المعتادة من قديم الأزل التحكيمي. في وجهة نظري، إننا كإعلام طالبنا كثيرًا بضرورة التفرغ للعمل الرياضي على مستوى الإدارات واللاعبين والإعلاميين والعاملين في لجان الاتحاد السعودي، ولم نطالب بذلك على مستوى التحكيم فنصبح أسرى لمراعاة ظروف حكامه من أنه موظف ورب أسرة ومشجع ووو.. ولكن عندما يكون الحكم متفرغًا ومحترفًا للمهنة فإنه سيكون عرضة حقيقية للنقد والتعديل، وعندها هو نفسه سيكون على المحك، إما التطوير أو خسارة (الوظيفة)، وليس العمل الإضافي. وعندها سيكون تحت مجهر الاتحاد السعودي وتحت مسؤوليته الخاصة في تطويره وإلحاقه بدورات تحكيمية ودوام صباحي، ومحاضرات وندوات وورش عمل تطويرية، تتناسب مع حقوقه على الاتحاد السعودي وحقوق الاتحاد عليه بوصفه موظفًا.
ومسؤولية هيئة الرياضة من حيث النقد الجارح على الحكام، الذي يتعدى مستوى النقد العملي للعمل المقدم من الحكم بوصفه موظف دولة، له حقوق، وعليه واجبات، وليس كعمل تطوعي، والأخذ بحقه بالتنسيق بين الهيئة والاتحاد السعودي مع الجهات المعنية، بما أن الأندية استطاعت أخذ حقها المعنوي من إعلاميين، وعبر تلك الجهات.
أما في حال تقصيره فإن الاتحاد السعودي كفيل بعقابه بما يراه مناسبًا لتقصيره.. في هذه الحالة آمل أن يكون لي أخ أو أب أو ابن يدخل مجال التحكيم؛ فبذلك أكون قد ضمنت له العمل والمال والمكانة الاجتماعية والاحترام لما يقدمه من عمل. أما ما يحدث الآن مع حكامنا فإني أشعر أننا نقترب من أن نقول له بالعامية (حكم ولا يكثر، وكيفنا نقول فيك اللي نبي)!!
أما الرعاية المالية فيستطيع الاتحاد السعودي أن يدخل على خزانته الكثير من الأموال من باب التحكيم (المسكيييين) والمغلوب على أمره.
- عبدالرحمن الحميدي
Twitter: @A_AlHameedi