فضل بن سعد البوعينين
عملت قطر على استغلال المال السياسي لتحقيق أهدافها الإستراتيجية؛ أو ربما أهداف أوكلت لها مهمة تنفيذها، ونجحت في استمالة قيادات وأحزاب سياسية وحكومات بعض الدول الفقيرة أو الفاسدة. وكرست جهودها؛ خلال العشرين عامًا الماضيية؛ لتشكيل طابور خامس في الدول العربية المستهدفة؛ من المفكرين والإعلاميين ورجال الدين والحزبيين وفق آلية ذكية تعتمد الجامعات والمؤتمرات والدراسات والاستشارات واللقاءات الإعلامية والكتابة الصحفية قاعدة لها. حراك شامل في ظاهره الاستفادة من الخبرات والكفاءات العربية ودعم المؤسسات والمجتمع القطري وفي باطنه التجنيد الاستخباراتي وبناء طابور خامس قادر على دعم التوجهات القطرية وبرامج الهدم الموجهة لتلك الدول. كما استثمرت أموالها في إنشاء وسائل إعلامية متنوعة وتجنيد بعض الصحفيين والإعلاميين والكتاب واستخدامهم كسلاح لتفكيك الدول العربية وإثارة الفتن وزعزعة أمن واستقرار المنطقة. يدرك المتابع للحراك الإعلامي والفضاء الافتراضي حجم التغير الكبير الذي طرأ عليه منذ المواجهة المكشوفة مع قطر. تراجع جنود الطابور الخامس إلى الخلف؛ وتحصنوا بالصمت ولاذ أكثرهم بالفرار حماية لأنفسهم من سطوة القانون والدولة. قضايا الخيانة الوطنية لا تسقط بالتقادم؛ وأحسب أن الدولة لم تلتفت بعد لجنود الطابور الخامس لانشغالها بحاضنتهم السياسية.
نجاح الحكومة القطرية في تحقيق مخططاتها في المنطقة العربية حفزها لتطبيق سياسة المال السياسي والرشاوى في المؤسسات الدولية التي لا تخلو من الفساد؛ من أجل شراء المواقف السياسية الداعمة لها؛ أو خلق المواقف العدائية ضد الدول العربية وفي مقدمها السعودية. مولت قطر مجموعة من مراكز البحث الأمريكية، ولوبيات الضغط؛ والكثير من الدراسات العدائية، كما تبنت دعم مؤسسات المجتمع المدني الغربية ذات البعد الدولي؛ وتمويل الفاعلين فيها من أجل تبنيهم مواقف حادة ضد الدول المستهدفة. وأسهمت بمالها القذر في دعم بعض البرلمانيين الغربيين لتبني مواقف عدائية ضد السعودية؛ ومصر ودول الخليج بل يُعتقد أن حكومة قطر كانت خلف إحياء قانون «جاستا» وتمريره كقانون يسمح للمتضررين الأمريكيين بمقاضاة الدول الضالعة في دعم وتمويل الإرهاب؛ مستهدفة به السعودية؛ دون أن تدرك أنها الأقرب لمضامينه المدمرة.
حاولت قطر استنساخ إستراتيجية المال السياسي في قضيتها العاصفة مع الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، وبدأت في الإنفاق التوسعي على عملائها المجندين لخدمتها، ومراكز البحث والمؤسسات الحقوقية وبعض البرلمانيين الغربيين؛ ووسائل الإعلام الدولية المستفيدة من إنفاقها الإعلاني أو رشاها المباشرة دون أن تحقق نتائج إيجابية على أرض الواقع، ما دفعها للتوسع في الإنفاق على عقود الأسلحة والصفقات الاستثمارية مع الحكومات الغربية والشركات العالمية الكبرى كأداة من أدوات الاستمالة وشراء المواقف.
لم تدرك الحكومة القطرية بعد تغير أدوات اللعبة، وانتهاء دورها في مسرحية تفكيك الدول وزعزعة أمن المنطقة؛ وفقدانها الحصانة الغربية والمظلة الاستخباراتية التي كانت تعمل تحت ظلها. قد يسهم المال القطري في أحداث نوع من الضوضاء المزعجة للدول الداعية لمكافحة الإرهاب؛ دون أن يحقق لحكومتها نتائج إيجابية تحميها من مصيرها المحتوم. أثبتت الأيام الماضية فشل الحكومة القطريه في جميع مساعيها الدولية الرامية لإدانة المقاطعة السياسية والاقتصادية التي فرضتها الدول الأربع؛ ووجهت انتقادات حادة لجرأتها في تسييس قضية الحج؛ عوضًا عن انكشاف كذب حكومتها وإعلامها أمام المجتمع الدولي والشعوب العربية على وجه الخصوص.
ملف دعم وتمويل الإرهاب هو محور الخلاف مع قطر؛ ومتى أزيلت مسببات الخلاف الأساسية؛ يمكن للعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية أن تعود إلى سابق عهدها. لا تحتاج حكومة قطر لإنفاق ثروات شعبها والمقامرة بمقوماتها الاقتصادية وجلب الجيوش الأجنبية لمواجهة الدول الأربع بقدر حاجتها لتحكيم العقل ونبذ الإرهاب وتمويله والتدخل في شؤون الدول العربية والتآمر على أمنها واستقرارها. معالجة ملف دعم وتمويل الإرهاب واحتضان الإرهابيين وزعاماتهم يضمن؛ بإذن الله؛ زوال محور الخلاف الحالي؛ فهل تعي حكومة قطر ذلك؛ أم تستمر في غيها وتمكين الجيوش الأجنبية منها؛ وإضاعة ثرواتها على قضية لا تحتاج منها إلا إلى التعقل والعودة إلى جادة الصواب. قال تعالى: «فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَة ثُمَّ يُغْلَبُونَ».