جاسر عبدالعزيز الجاسر
أن تقود أمة وأن تمتلك رؤية مستقبلية لتنمية قدرات الأمة التي تقودها وتطور مكتسباتها الحضارية في القطاعات الاقتصادية والتنموية، وتطلق قدراتها الإبداعية في المجالات الاجتماعية والإدارية والفنية وتعزز حضورك السياسي والدولي، لا يكفي أن تمتلك قوة اقتصادية ولديك قدرة مالية، فالمال والقوة الاقتصادية بدون فكر يمكن أن يتحول إلى أداة للشر والهدم وليس البناء، أو في أقل تقدير في التوجه إلى مشاريع عبثية من خلال الجري خلف وهم القوة والسيادة، حتى وإن كان بلعب أدوار للغير.
هذا ما كان عليه معمر القذافي الذي بدد ثروة الشعب الليبي وجرى خلف المشاريع الوهمية والسعي لإقامة امبراطورية لا تهدف إلا إلى تحقيق نزوة فردية لشخص يتوهم الزعامة دون الوصول إلى قناعة الهوية، فمرة نجده يسعى لتكوين دولة الوحدة العربية، ومرة يتجه صوب إفريقيا فيتوج ملكاً لملوك أفريقيا دون اختيار أو قناعة من أحد، وفي النهاية ينتهي مقتولاً في مجرى للصرف الصحي.
ورغم مرارة التجربة ومأساة النهاية يكرر حكام قطر مسيرة حليفهم السابق وشريكهم في تدبير مؤامرات الاغتيال، فنجد أن حكام قطر صرفوا حتى الآن 64 مليار دولار لدعم وتمويل الإرهاب، وتنوعت أساليب حكام قطر من خلال ما يقدمه مستشارو الشر الذين تقاطروا من مختلف الدول، أوروبيين يتبعون الأموال، وعرباً منبوذين في دولهم ومطرودين لغلبة نزعة الشر على سلوكهم، فأضروا بلدانهم واستثمروا نزعة الشر لتوظيفها عند حكام قطر لتلاقي الرغبة في إيذاء الآخرين، وتنوعت مشورة مستشاري الإرهاب بتشجيع من يحكمون قطر على عقد الصفقات المشبوهة لشراء الذمم والولاءات ممن يشغلون المناصب العليا في الدول، حتى وإن كان وصولهم بالانتخاب ليصبح أداة طيعة تعمل على تنفيذ الأجندات التي ظن حكام قطر بأن تحقيقها سيجعل من دولتهم دولة عظمى وقائدة لمنطقتها، وهو ما فعلته في فرنسا، وبالذات ساركوزي، الذي كان بمثابة «سمسار» تكفل بإنهاء صفقة شراء نادي سان جيرمان، وساعد على اختيار قطر لإقامة مونديال عام 2022 لكرة القدم.
هذا «البطر المالي» لن يحقق المطمع الذي يسعى إليه حكام قطر؛ فالمال بدون فكر وبلا إمكانيات لتحقيق القيادة والريادة لا يحقق أطماع من يحاولون معاندة الضوابط العلمية، وعادة ما تكون نهاياتهم بمثل ما انتهى إليه المغامرون من أمثال القذافي.
البطر المالي القطري يشابه - من حيث التوجه والطمع في احتلال مركز القيادة وإعادة أمجاد الماضي- ملالي إيران الذين أقاموا نظاماً على أسس عنصرية وطائفية، ومع أن إيران حباها الله بثروات، وبالذات التي تنبع من الأراضي العربية في اقليم الأحواز، إلا أن ملالي إيران بددوها في الصرف على مسارين يطمحون من خلالهما تحقيق أهدافهم في إعادة بناء امبراطوريتهم المبنية على الطائفية والعنصرية؛ إذ بدد ملالي إيران ثروة الشعوب الإيرانية على إنشاء وتطوير صناعة الأسلحة المحرمة دولياً والتوسع في إنتاج الصواريخ والأسلحة التي لا تنحصر في الأسلحة الدفاعية كما تفعل الدول الأخرى، بل لإنتاج أسلحة هجومية لتهديد الجيران؛ كإنتاج الصواريخ البعيدة المدى والناقلة للرؤوس النووية إضافة إلى المضي قدماً في إنتاج وتصنيع الأسلحة النووية.
أما المسار الثاني الذي يتم من خلاله تبديد ثروات الشعوب الإيرانية، فهو توجيه الأموال لدعم الأذرع الإرهابية للنظام الإيراني وتمويل الأنظمة والأحزاب والمؤسسات والعملاء الذين ينفذون مخططات ملالي إيران؛ إذ يتكفل الملالي بتمويل ودعم نظام بشار الأسد والأحزاب والمليشيات المرتبطة بهم في لبنان وسوريا والعراق واليمن والبحرين، إضافة إلى رعاية ودعم الخلايا النائمة في البلدان المجاورة من الدول العربية وافغانستان وطاجكستان وأذربيجان وحتى تركيا، بالأموال والأسلحة.
الصرف بلا سقف على الأعمال الإرهابية ودعم العملاء والخلايا النائمة لملالي إيران ورصد مليارات الدولارات لتنفيذ مخطط التصنيع النووي العسكري وإنتاج الصواريخ جاء على حساب الحياة المعيشية وصحة ومستقبل الشعوب الإيرانية؛ فمقابل التوسع في الصرف على الإرهاب وصنع أسلحة الدمار الشامل يقابله عوز إلى حد الفقر، إذ تشير الإحصاءات بأن مستوى الفقر في إيران دون المستوى الدولي، ويصيب أكثر من نصف الشعوب الإيرانية التي تواجه مشاكل في الحياة اليومية والصحة، إضافة إلى معاناتهم من تسلط النظام وتعرضهم لشتى أصناف الحرمان من أبسط حقوق البشر.
هذه النماذج من الأنظمة التي دمرت الشعوب والدول التي تحكمها من خلال عدم توازن عملها في تحقيق الحياة اللائقة لشعوبها، وبين تحقيق عناصر القوة والنفوذ ترسم مصيراً قاتماً لهذه الأنظمة ودولها مما يجرد أي مشروع أو طموح قيادي وريادي للنهج الذي يرجون له، وهو عكس ما نراه يُفعل من خلال المشروع العربي.