عبده الأسمري
القلم أداة الفكر والخطاب الأعظم في تاريخ البشرية وهو وسيلة الكتابة ورسول النفس في ترجمة الحديث وتوظيف الشعور وتوصيف الرسالة وتوضيح المبدأ, القلم سيف حرب ودرع دفاع وسهم هجوم وعنوان عزة ومنهج قوة وتعبير ذات. سواء للفرد أو الجماعة.. للراعي والرعية للدولة والمواطن.
ذكر الله عزَّ وجلَّ القلم وشرّفه في سورة كاملة سُميت به، حيث قال جلَّ شأنه {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}، وذكر القلم في موضع آخر، حيث قال تعالى: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}.
بقلم الرصاص المخصص للمبتدئين بدأنا خطوات التلمذة الأولى راسمين أول حروف الكتابة بين طرفي المحاولة والخطأ ووسط معادلة النجاح والفشل كبرنا فاستعنا بالقلم ذي الحبر الثابت نفرغ به ما في عقولنا ونوظّف به ما في خواطرنا فالقلم ذاته من كتب سيرة النجاح والكفاح وسرد قصة التفوق والتذوق وسطر نتائج سنين العمر الدراسي والعملي.
بالقلم تكتب مخربشات الأطفال البريئة وهو ذاته من يرسم لائحة سيرة الكبار. به تكتب جروح المعاناة وبحروفه تخاط هذه الجروح بإتقان.
للقلم أدوار إنسانية كبيرة فيه تكتب آهات المتعبين وتوجز عبرات المكلومين وتلخص ويلات المحزونين.. به تعلّم الإنسان وعلم ووصل إلى السمو والعلو وبه تخرج أجيال الكتاب والفلاسفة والعلماء والمفكرين والقياديين..
به يوقّع على قرارات المصير وشهادات العلا.. هو الشاهد الأول على التعلّم والشهيد الأدلة على الإنسان في حضرة الحساب.. واستحضار الصحائف..
القلم ترجح به موازين النجاح وتمنح منه معدلات القيمة الشخصية والاعتبارية وهو برهان الأوفياء ورهان الأنقياء ممن يستخدمونه لخدمة العلم بموضوعية تاركين الذاتية تعبر بتلقائية في حجم الإنسانية ومحك الدور الفاعل في المجتمع.
القلم هو الأنيس في عتمة الظروف والونيس في غيمة المواجع الذي يتحول إلى مصباح سحري يحول الحروف إلى منهجيات والكلمات إلى مناهج. وهو ذاته من يخط توقيعاً لإنهاء معاناة أو قراراً لحل أزمة.
القلم هو الرفيق الذي لا يغدر مهما طال الزمن هو لسان الحال هو لهجة الذات عندما تسيطر على الآخرين سوء الظنون..
القلم هو روح الأمل وإمضاء الحياة الهازم لليأس القاتل للإحباط القابل للتشكيل الذاتي المخبئ في أنفسنا به نسمو ومنه نرسم للآخرين حدود الأمنيات المستحقة ونكتب به حياة جديدة لمن ضاعوا في دائرة المتاهات.
للقلم أداوره الأساسية ومنهجه الأقوى بداية ونهاية به تشع المتون بالإنسانية وتشطب به تلك الهوامش التي ضجت بالألم.. وعندما يكتب به الداء فهو وحده الكفيل بحياكة حروف الدواء بكل اقتدار واعتبار.
القلم صوت الضمير وصدى الإنسانية متى ما أجاد الإنسان أياً كان مستواه استخدامه فهو منهجه ونهجه روحه وبوحه سره وعلانيته صداه ومداه بدايته ونهايته..
بين العقل والقلب مسافة وبين القلم والورقة علاقة تعكس جوهر الإنسانية فلتكن أقلامنا أدوات فكر وثقافة ومشاريع إنسانية وضمائر حيَّه تتلمس هموم الحياة ومتطلبات الدنيا ومطالب الآخرة حتى نكون منصفين لأنفسنا وللآخرين نحو غد مشرق، فالقلم عنوان الإنسانية ومشرعاً لأدوارها العظيمة.