رجاء العتيبي
تكاد تكون منطقة الفنون بلا طائفية، فهي المنطقة الجميلة التي لا تقبل الحزبية، لأن معيارها إنساني بحت، أيهم أكثر إبداعا وكفى، لا تنظر الفنون إلى جوانب: عرقية، ولا إثنية، ولا إقليمية، ولا حزبية، العلاقة بين مجتمع الفنون علاقة إنسانية إبداعية، أخلاقية.
مفهوم الفنون التي نقصدها هي: الفنون الجميلة والوعي الجمالي ونشر الجمال، وليس (التفسخ) كما يصوره خصوم الفن، (التفسخ) أمر غير مقبول من أي كائن، وليس من الفنون -ألبتة- فمن يخطئ من أهل الفن يمثل نفسه ولا يمثل الفن الذي ينتمي إليه.
دعاة التشدد الديني يحاربون منطقة الفنون لأنها ملتقى كل البشر بجميع أشكالهم وألوانهم وجنسياتهم، أما المتطرف فلا يريد إلا من هو على شاكلته، وما عداه فهو عدو أو زنديق، وهم يقسمون الناس إلى فسطاطين: فسطاط في الجنة وفسطاط في الجحيم بناء على تصورات من عندهم وليس من عند الله, وكأنهم لم يقرأوا قوله تعالى: «كل نفس بما كسبت رهينة».
الذي أدخل الفنان/ عبد الحسين عبد الرضا النار بعد وفاته الأسبوع الماضي، هو من هذه الشاكلة التي وضعت مصائر البشر بيدها وكأنها تملك توقيعًا إلهيًا معتمدًا، في حين نرى دعاة معتدلون يترحمون على عبد الحسين عبد الرضا -رحمه الله- ويدعون الله العلي القدير أن يجمعهم معه في جنات النعيم.
ورغم أن هجمات الترهيب قد خف أوارها، إلا أنها ما زالت موجودة بصورة أو بأخرى لدى فئة لا تريد لرحمة الله أن تعم البشر، وكأنهم يريدون أن يقسموا (رحمة ربك) وفقا لمعايير خاصة بهم، ولا يرون خطأ ما يقسمونه للناس باعتبارها جاءت من تأويلات أنتجتها لهم تصوراتهم الذهنية التي يعتقدون بها كحقيقة مطلقة (أيدلوجيا) غير قابلة للنقاش والجدل والتغيير.
منقطة الفنون هي أهم مناطق التعايش بين البشر، باعتبارها (لغة مشتركة ومعايير فنية موحدة) يمكن أن يلتقي فيها النجدي والحجازي والصيني والتشيكي والجنوبي والألماني والشمالي والكندي والشرقي والكوبي.
وكان لوكالة وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية مشروع متميز تحت عنوان (المملكة بريشة فناني العالم) قبل سنوات شارك به معظم دول العالم عبر ورش عمل احتضنتها عدد من مدن المملكة وأنتجت لوحات غاية في الإبداع، ما يؤكد أن منطقة الفنون يمكن أن تكون جسرًا ينقل حضارتنا للآخرين ويجعلنا أكثر قربا منهم ويعرفون أننا نملك فنا عظيما وفنانين عظماء يقاسمونهم اللغة الفنية والمعايير والإبداع.
لهذا أحسنت وزارة الثقافة والإعلام عندما تحيل إلى لجنة مخالفات النشر كل من يؤثر سلبًا على الوطن باسم الدين من الفئات المتشددة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي لا هم لها سوى إرسال الناس للجنة والنار حسب تأويلات تخالف ما جاء في التنزيل الحكيم.