د. محمد عبدالله العوين
نعم تحول المال القطري من نعمة إلى نقمة، ومن حلال إلى حرام، ومن البناء إلى الهدم، ومن التطوير والبناء إلى التخلف!
أصاب تدفق المال فجأة بين أيدي الحمدين رؤوسهم بالدوار والغرور والقوة الوهمية والاستعلاء والشعور بأن هذا المال قادر على تغيير كل شيء، وأن في وسع الغاز الذي سال واقتحم بنوك العالم أن يعيد صياغة المنطقة وأن يقلب الأنظمة ويسقط الكراسي وينشئ الجماعات ويبني التيارات ويصنع القادة ويقرب البعيد ويبعد القريب ويشتري الولاءات ويستقطب الأبواق ويصنع من اللاشيء شيئاً ومن الوهم الزائف حقيقة ومن اللادولة دولة!
مسار خاطئ سلكه حكام الدوحة في لحظة من انتفاخ بهواء بالون!
راح الحمدان يلهثان خلف تحقيق الأوهام؛ فنشأ الغاز السائل جماعة النصرة في سوريا التي قتلت آلاف السوريين باسم الجهاد، وقدمت قناة الجزيرة أبا محمد الجولاني مرتين على شاشتها وكأنه الفاتح الجديد الذي سيغير الأوضاع في الشام، ورصدت أخباره وبثت تصريحاته وتابعت كاميراتها كل المدن والقرى التي هيمن عليها، وأمده الحمدان بالمعدات والذخائر والدعم اللوجستي، وفي الوقت نفسه لم ينس المال القطري أن يدعم الشق الآخر من التنظيم التكفيري وهو «داعش» فاشترى آلاف السيارات اليابانية من طراز هايلكس بحيث أصبحت قوة غزو موحدة للتنظيم ومعها آلاف الأسلحة والمعدات والمؤن، وحين أحرق الغاز القطري الشام أراد أن يوسع دائرة الحريق إلى ليبيا، ففعل في الأرض الليبية الأفاعيل وأمد الجماعات التكفيرية بما تحتاجه من أسلحة وذخائر ومؤن، ورفع العلم القطري على الأرض الليبية بقيادة الإرهابي حمد بن فطيس المري، ودفعت قطر كميات هائلة من الأموال لساركوزي كي يسقط نظام القذافي كما تفعل الآن مع إيطاليا بعد أن اشترت صفقة كبيرة من السلاح تقدر قيمتها بما يقرب من ستة مليارات يورو؛ لتكمل إيطاليا ما بدأت به فرنسا ولتفشل مساعي المشير خليفة حفتر المقاتل الصلب ومكافح الجماعات الإرهابية، ولتقف أمام الدور الإماراتي والمصري والسعودي لإنقاذ ليبيا وجمع كلمة الليبيين.
وفي مصر كانت السفارة القطرية وكراً لتدبير وقيادة الثورة ضد حسني مبارك وتبني جماعة الإخوان المسلمين ودعمها ودفعها إلى المقدمة، وبعد أن اشتعلت شرارة الثورة اقتحم عملاء السفارة القطرية السجون ووجدوا سيارات السفارة القطرية السوداء المظللة من نوع جيمس في الانتظار لتهرب عشرات القياديين من الجماعة المحكوم عليهم إما بالإعدام أو بالسجن المؤبد.
وبعد أن ضاقت السبل بالجماعة في مصر فتحت الدوحة أبوابها على مصاريعها لهم فاستبدلوا القاهرة بالدوحة، وأصبحت قطر مباءة تجمع لكل الفارين من أنظمتهم، ومركز عمل لكل المتطرفين والمنتمين إلى الجماعات الإرهابية من طالبان إلى الإخوان إلى الشاشانيين إلى الحوثيين إلى الدواعش، إلى من يمر على الدوحة بسرية ويتلقى التعليمات ويأخذ المقسوم ثم يرحل خفية، أو أن ترسل له الدوحة من عناصرها من يلتقيه في أي عاصمة من عواصم العالم؛ بدءاً بأسطنبول وليس انتهاء بجنوب أفريقيا.
واشترى المال القطري ذمم إعلاميين من كل التيارات؛ فسرعان ما قلب الغاز السائل القومي واليساري والعلماني والليبرالي إلى إخواني إسلاموي ينادي ويتحدث بلغة الجماعة بعد تعديل يسير في لغة الخطاب تخفي تحتها الأصل الفكري المتحول من إعلاميي عرب الشام وشمال أفريقيا.
ودعم المال القطري الحرام المنشقين الخونة الناقمين على بلادنا وقيادتها؛ فاشترى لبعضهم بيوتاً في أرقى أحياء لندن، وحول لهم الشيكات بمئات آلاف الجنيهات، وفتح لهم المجال كي يبثوا أفكارهم ودعواتهم التخريبية عبر برامج الجزيرة؛ كما فعل مع رموز القاعدة؛ بحيث أصبحت الجزيرة قناة للقاعدة وللمنشقين.
ودعم المال القطري الحرام الخونة في العوامية ودربهم في البقاع وإيران بالتنسيق مع حزب الله.
واشترى المال القطري وأنشأ قنوات؛ كعربي 21، والحوار من لندن، ونبأ والمسيرة التابعتين للحوثي، والجديد من لبنان، وعشرات القنوات على اليوتيوب وآلاف المعرفات الوهمية في تويتر.
واشترى المال صحفاً عالمية وذمم كتاب ومحررين ومحللين ومراكز بحث وعلاقات عامة على مستوى العالم.
إنه الغاز المخدر الذي سيحرق من أساله!