د. خيرية السقاف
الأحزان تجمع الناس أكثر مما تجمعهم الأفراح..
فالقلوب جُبِلت على الانكسار في الفقد, والعجز, والجرح, والخيبة, والبؤس, واليأس!!..
ولأنها جُبِلت أيضاً على ما يحرك في النفوس طباعها, فإنها تجتمع أيضاً على ما يضحكها تنفيساً لهموم, وإبعاداً عن أحزان, وتلطفاً لكربٍ, واستلهاماً لسلوى..
فلسفة الضحك والحزن عجت بها الأسفار بالمنثور والأشعار..
ولعل الفنون المسرحية, والتمثيلية, من أهم وسائل اجتماع الناس , وضخ مشاعرهم..
ولأنها تخاطب نفوسهم, وتستجلب ميل قلوبهم, تحرك شفاههم ضحكاً, وأصواتهم طرباً, ومشاعرهم خفقاً, وفكرهم نبضاً فإنّ الفن الإنساني أقدر ما يجمع الناس من الوسائل الجمعية, وأكثر ما يرقى بهم درجات في سلّم الإنسانية, والوعي بها تفصيلاً, وجزيئات..
لذا فهو في قائمة أولى في المجتمعات العالمية أهمية, واهتماماً به.
والمؤدون له يوسمون بموضوعاته, والفنان الذكي منهم الدؤوب المخلص الذي يجمع الناس بأحزانها على ضحكة واحدة تشيع في نفوسهم راحة, وتأخذهم بالفكرة براحاً هو من يحزن الناس على موته, وتجتمع المشاعر التي أبهجها على حزن فقده ..
والشاهد هذا الحزن الجماهيري الشاسع الذي عمّ أوساط العامة,والخاصة بجميع أطيافهم في العالم العربي بموت الكوميدي الكويتي الشهير «عبد الحسين عبد الرضا», ما يعزّز للفنون دورها في التأثير الجمعي حين تكون رسالتها أبعد من قهقهة, وأعمق من بسمة, وأقدر على تحليق المشاهد حول مسرحها.. وحين ينفضون تكون هناك كل الأسئلة تفصيلاً للدمعة, وللبسمة !..
الفن ثقافة راقية حين يأخذ ركنه في قائمة مصادر, وموارد ثقافة الحس, والتفاعل مع القضايا, والغوص في الأبعاد في مجتمع الأفراد حدوداً, والتمدد إلى المجتمع الإنساني مساحات, ومسافات, فهو الرمز الذي يوطد له قاعدة في ذاكرة التاريخ, والإنسان, وحضارة المكان والزمان, حينذاك تتحول كتلة الإحساس من مضمون المادة الفنية التي يقدمها القائم بها إلى شخصه, فيرتبط حس الناس الجمعي به, لأنه غدا الفن المجرد ذاته.