ياسر صالح البهيجان
أعمال تطوير البنية التحتيّة للمدن تستقطع النصيب الأكبر من حجم مصروفات الدول، ومهما تزايدت حجم إيراداتها فإنها تظل محكومة بمتطلبات إنفاق عالية، ما يجعل خيار خصخصة الهيئات التطويرية أحد أبرز الحلول المعمول بها دوليًا لضمان جودة الخدمة المقّدمة، ولاستمرار عملية التطوير بعيدًا عن أي أزمة اقتصادية قد تواجه الدولة.
الحكومات لا يمكنها بمفردها تنفيذ خطط استثمارية قويّة وذات أثر اقتصادي متنامٍ نظرًا لطبيعة المهام الملقاة على عاتقها، ومن العسير أن تمارس دورًا إشرافيًا ورقابيًا وتنظيميًا واستثماريًا في الآن ذاته، وتداخل تلك المهام قد ينتج حالة ترهل في نوعية الخدمات الأساسية التي تحتاجها كل مدينة، كخدمات النقل العام والصرف الصحي والمتنزهات والحدائق ومرافق الترفيه وغيرها، كما أنها ستصعّب من إمكانيات الاستفادة القصوى من الفرص القابلة للاستثمار، ومواكبة المشاريع الحديثة القائمة على الابتكار والمعرفة.
وفي مدينة كوبنهاجن على سبيل المثال نقلت الحكومة الأرض والمباني التي تملكها في الميناء الصناعي القديم إلى كيان مملوك للقطاع الخاص، واستطاعت أن تحقق نقلة نوعية في الميناء بأقل تكلفة مالية على الدولة، وتحولت المدينة إلى واحدة من أغنى المدن في العالم وأكثرها قدرة على الاستدامة.
هيئات تطوير المدن في المملكة تواجه عوائق متعددة، تتمثل في ازدواجيّة أعمالها، وقيامها بأدوار إشرافية وتنفيذية في ذات التوقيت، فضلاً عن محدوديّة الميزانيّات المخصصة لها، ما يجعل مشاريعها في معظمها تهدف إلى الإنجاز بأقل تكلفة بغض النظر عن الجودة والنوعيّة، ما جعل العديد من المدن تعاني من ضعف بنيتها التحتيّة حتى بعد إنجاز المشاريع فيها، بينما لو أسندت المهمة لكيانات خاصّة تمتلك نسبة ملكيّة في المشروع وعائداته، فإن الهيئات ستتمكن من فرض اشتراطات الجودة العالية، وستعمل الائتلافات المكوّنة للكيان على بذل الجهد في التطوير والتحسين لضمان جني أرباح أكبر من المشاريع المملوكة لها، وبذلك يكسب المجتمع بنية تحتية متطورة وجذابة تضاهي ما هو موجود في الدول المتقدمة.
معظم المدن تواجه أزمات جرّاء السيول، وتعاني أيضًا من ضعف وسائل النقل العام، وبعضها يقع تحت وطأة رداءة خدمات الصرف الصحي، وانقطاع المياه البلدية النظيفة، هذه نماذج تؤكّد أن الخطط المنفّذة حاليًا لا يمكنها استيعاب حجم التمدد العمراني وتزايد أعداد السكان، وتشير أيضًا إلى ضرورة خصخصة قطاع البنى التحتيّة عبر تحويل هيئات تطوير المدن إلى كيانات خاصّة تشترك فيها رؤوس أموال حكوميّة وشركات أهليّة، لتستقّل في إيراداتها ومصروفاتها، وتخضع لرقابة الدولة بما يسهم في إنعاش الخدمات في المدن وجعلها مزدهرة وتليق بمكانة المملكة.