د. سعد بن عبد العزيز الراشد
غمرتنا الفرحة بصدور الأمر السامي الكريم لخادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- بإنشاء هيئة ملكية لمحافظة العلا، وذلك لأهمية تطوير هذه القطعة العزيزة من بلادنا المباركة بما يتناسب مع قيمتها التاريخية، وما تشتمل عليه من مواقع أثرية، وتراثية وطبيعية، وموارد اقتصادية متنوعة.
ونشارك أهلنا وأحبتنا في العلا الفرحة بهذه الخطوة التي اتخذتها الدولة، امتداداً للاهتمام المتنامي بالآثار المُتوَج بإقرار الدولة في السنوات القريبة الماضية برنامجاً وطنياً تديره الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني تحت مسمى «برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري»، والذي تم اعتماده في وقت لاحق ضمن مشاريع التحول الوطني (2020)، لما ثبت خلال ممارسات الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، ومبادراتها أن التراث ركيزة اقتصادية، ومكون أساس في غرس المواطنة، والاعتزاز بالعراقة التي تميز هذه المنطقة ذات الإسهام في الحضارات الإنسانية، وهو ما يحقق الأهداف السامية التي قامت عليها رؤية المملكة (2030)، ونسأل الله التوفيق والسداد لصاحب السمو الملكي ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة ومجلس إدارتها، لما يعود بالنفع العميم على محافظة العلا بخاصة والوطن بعامة.
وقد حدد الأمر السامي فترة لا تتجاوز 3 أشهر، أمام هيئة الخبراء بمجلس الوزراء، للتنسيق مع من تراه من الجهات ذات العلاقة، لإعداد ما يلزم لاستكمال الإجراءات النظامية، لتتمكن الهيئة من مباشرة الأعمال المنوطة بها.
وأعْلَمُ أن أمام الهيئة الملكية لتطوير محافظة العلا عملاً كبيراً، وفي يقيني أنها ستأخذ بالاعتبار المعطيات السكانية، والجغرافية، والطبيعية، والتراثية، كما أن أعمالها حتماً ستتقاطع مع البرامج والمشاريع الحالية، والمستقبلية المنوطة بجهات حكومية عديدة، ولذا فإن التنسيق المتوازن والتكامل الذي يُبْني على الخبرات، والمشروعات التي برعت كل جهة في التحضير لها وربما كانت تنتظر لحظة التمكين وهو ما أُنْشِئتْ من أجلها الهيئة الملكية، واختير لها هذا الشكل التنظيمي رفيع المستوى لتحقيق أعلى درجات التكامل مع تلك الجهات، بما يلبي الاحتياجات التي لأجلها تأسست، وتحقق النماء والاستثمار الأمثل لمقومات العلا.
وما أود التأكيد عليه بهذا الخصوص، الجانب التراثي الذي تتميز به محافظة العلا، المتفردة بما فيها من تراكم حضاري من عصور ما قبل التاريخ، والعصور التاريخية المتتابعة على مرّ العصور، وقد شهدت العلا(وادي القرى)، تجارة إيلاف قريش، التي شارك فيها النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، ومرّ بها جيش المسلمين في الثامنة من الهجرة قوامه (ثلاثة آلاف مقاتل) بقيادة زيد بن حارثة في غزوة مؤتة، ثم سلكها نبينا المصطفي في غزوة تبوك بجيش المسلمين وقوامه ثلاثون ألف مقاتل، وسيّر أبو بكر الصديق جيش أسامة، وبعدها تتابعت مسيرة الفتوحات الإسلامية إلى مصر والشام والعراق في عصر الخلافة الراشدة. وكانت العلا وظهيرها السهل الساحلي للبحر الأحمر، ممراً لجيوش الفاتحين، وأصبحت العلا أهم مدينة ومحطة على طريق الحج من الشام ومصر، في العهود الأموية، والعباسية، والمملوكية، والعثمانية، حتى حقب الدولة السعودية الثلاث. ومن عهد الملك عبد العزيز-رحمه الله- إلى عهد سلمان الحزم والعزم - يحفظه الله- ومحافظة العلا تشهد حركة تنموية واعدة. وبذلك فإن محافظة العلا تحتضن أهم مواقع التاريخ الإسلامي المرتبطة بعصر الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين.
بايع أبناء العلا الملك عبد العزيز -رحمه الله- على السمع والطاعة سنة 1344هـ/1926م، وقبل أكثر من خمسين عاماً زار الملك سعود رحمه الله العلا، وأمر رحمه الله بإنشاء مطار في محافظة العلا، ولكن لم تكن الأمور ميسرة في ذلك الوقت، ثم أمر الملك فيصل -رحمه الله- بربط العلا مع المدينة المنورة بطريق أسفلتي، كان بداية لتنفيذ سلسلة من المشاريع التنموية في المحافظة. وأبناء العلا معروف عنهم الكلمة الطيبة والشعر الرقيق، عند طلب المشاريع لمحافظتهم من ولاة الأمر، ومما يؤثر عن الملك فيصل أنه بعد أن استمع لقصيدة مؤثرة ألقاها شاعر العلا -سالم الحداد- في حفل أهالي منطقة المدينة بمناسبة زيارة تفقدية للملك فيصل - أن قال -رحمه الله- بعد إصغائه للقصيدة: «منكم الصبر وعلينا التنفيذ»، وقد تحقق بعد ذلك الشيء الكثير. وقد زار العلا الملك فهد -يرحمه الله- عام 1406هـ. واطلع على أحوالها، وتفقد مشروع تطوير مدائن صالح، ووجه بتنفيذ مطار العلا، ولكن مصلحة الطيران المدني تريّثت في التنفيذ فترة من الزمن، حتى صدرت التوجيهات السامية من الملك عبد الله بن عبد العزيز-رحمه الله- بتنفيذ المطار، وكانت توجيهات الأمير سلطان بن عبد العزيز - رحمه الله- الداعم الحقيقي لتنفيذ المطار، ومتابعة من أمير منطقة المدينة المنورة الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز-رحمه الله-، ونذكر بالتقدير جهود صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في متابعته لمشروع المطار لكونه رئيساً للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني التي أولت اهتماماً كبيراً بالآثار في محافظة العلا والمناطق المحيطة بها، وسجلت موقع الحجر في قائمة التراث العالمي كأول موقع سعودي، وما صاحب ذلك من تقديم برنامج شامل لتطوير محافظة العلا، وإدارة موقع الحجر، وتسهيل الوصول له، وكذلك جهده في تسريع اعتمادات المشروع واستعجال ترسيته وتشغيله بحكم عضوية الأمير سلطان بن سلمان في مجلس إدارة هيئة الطيران المدني برئاسة الأمير سلطان بن عبدالعزيز قدمت برنامج تطوير للمطار، وقد كان يوماً تاريخياً لأبناء محافظة العلا، عند وصول أول رحلة مدنية تهبط في مطارها، شارك فيها الأمير سلطان بن سلمان شخصياً راكباً على متن تلك الرحلة مع المئات من أهالي العلا وزوارها، مع تمنياته بأن يكون هذا المطار- مطار الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز- نقطة تحول ومحرك اقتصدي لمحافظة العلا. وترتبط العلا ومدائن صالح بشبكة من الطرق البرية، مع المدينة المنوّرة وخيبر، وتيماء وتبوك، والوجه، وحائل. وينبع والعيص.