عبدالعزيز السماري
لا يختلف اثنان أن طريق الخروج من الماضي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال قنوات الابتكار والصناعة، وأعني بالماضي كل ما يتعلق بتراث الأجداد الذي لا يتفق مع متطلبات الحياة العصرية، ولا يمكن أن يحقق السِّلم في أراضي وميادين الحروب والصراع في الماضي بين القبائل والأقاليم على المراعي والمياه..
ربما يفسر ذلك الرغبة الشديدة لديّ لمتابعة تطورات المشاريع الوطنية العملاقة، والتي تحمل الآمال والتطلّعات للخروج من النفق الطويل، ويأتي في مقدمتها مشروع خادم الحرمين لتحلية المياه بالطاقة الشمسية في الخفجي، وقد أكد مدير عام معهد الأبحاث وتقنيات التحلية بالمؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة الدكتور أحمد العمودي في 8 يونيو 2017، أنّ المعهد سيبدأ بعد ستة أشهر في إنتاج المياه المحلاة باستخدام الطاقة الشمسية .
حسب سمارت تك في إحدى نشراتها على موقعها، تبلغ تكلفة إنتاج الكهرباء في هذا المشروع حوالي الثلاثين هللة للكيلو واط، بينما الطريقة التقليدية تكلف أربعة أضعاف هذا المبلغ، وهو ما يعني أنه مشروع حيوي ومزدوج المنفعة، فالمنتج مياه محلاة وكهرباء، ويُعَد هذا المشروع أكبر مركز في العالم لتحلية المياه بالطاقة الشمسية..
نجاح هذا المشروع في مقدوره أن يغير وجه الحياة في المملكة، فهو يحمل الحلم الإنساني في تطويع مياه البحر لخدمة الأغراض الإنسانية لاستمرار الحياة في الأماكن التي تعاني من خطر الجفاف، ولهذا السبب لا أتوقف عن متابعة تطوراته وأتطلع إلى اليوم الذي تتحقق من خلاله أحلام الخروج من سراديب الماضي الموحشة.
المنتج الأهم في هذا المشروع هو قصة النجاح الوطني، والذي سُتكتب بحروف من ماء الذهب على جبين الوطن، وقد سبق أن تناولت وكالات الأنباء العالمية خبر تدشين هذا المشروع لما فيه من أهمية لتغيير وجه الحياة في جزيرة العرب..
من الضروري جداً أن يوازي العمل في هذا الخط الحيوي مشروع أبحاث في مجالات تحلية المياه بالطاقة المتجددة، وأن يكون بمثابة العقل الذي يصنع الأفكار الجديدة لإكمال قصة النجاح الوطنية، وأن ترصد ميزانية دائمة لبرامج الأبحاث لمثل هذه المشاريع الوطنية..
المنتجات العظيمة في التاريخ تبدأ بمشاريع صغيرة، والحاجات الكبرى وغريزة الإصرار البشري دوماً تفرض الحلول، وقد كانت حل الكهرباء في يوم ما ضرورة لابد من اكتشافها في زمن لم يَعُد يحتمل العيش في الظلام، وكان الحل العظيم من عقل إنساني مبتكر..
المحرك كان أيضاً وليد الحاجة الإنسانية الملحّة لتحويل أشكال الطاقة المتنوعة إلى طاقة متحركة، فكان الحل من خلال عقل إنساني مبتكر قبل ثلاثة قرون، وكان الانطلاقة التي أحدثت الثورة الصناعية الأولى، وربما البوابة التي في نهاية النفق في الغرب الأوروبي، التي ودعوا من خلالها ماضيهم التعيس..
« من زندك و لا.. مت « مثل شعبي يختصر فلسفات الكون في جملة واحدة، والمعنى حسب ما ذكره الأستاذ محمد بن ناصر العبودي في كتابه الأمثال العامية : اما إن تحصل على ما تحتاج إليه من عمل يدك أو جهد « عقلك «، وإلا فمت لأنك لن تجد من يساعدك، ويضرب المثل في الإياس من المعونة .
يشبه هذا المثل في المعنى المثل العربي القديم: (عم العاجز خرجه) وأصله أنّ رجلاً خرج مع عمه في سفر، ولم يتزوّد على ما في خرج عمه، فلما جاع قال: يا عم أطعمني، فقال له عمه: عمك خرجك..، قال الميداني: يضرب لمن يتكل على طعام غيره..
خلاصة القول إنّ الاتكال على الآخرين لن يخرجنا من سراديب الخوف من مستقبل الجفاف والعطش وحروب المياه، لكن المضي في مثل هذه المشاريع ربما يحمل الأخبار العظيمة للأجيال القادمة.