إبراهيم عبدالله العمار
جاء رجل إلى مجموعة من العميان وقال لهم: سأجعلكم تلمسون شيئاً، وأريدكم أن تخبروني ما هو.. أخذهم إلى فيل، لمس الأعمى الأول الفيل من جانبه وقال: هذا جدار.. لمس الثاني نابه وقال: هذا رمح.. لمس الثالث خرطومه وقال: يا له من ثعبان كبير! وهكذا.
هذه نظرة الناس للعنف. كل شخص له تصوره الخاص، لكن الحقيقة أن العنف (كالفيل ذاك) شديد الضخامة والتعقد. حتى خبراء العنف كالجنود أو الملاكمين لا يعرفون إلا وجهاً محدوداً من هذا الكائن الهائل.
هذا مما يذكره روري ميلر في كتابه الرائع «تأملات في العنف»، وهذا الرجل ليس مجرد خبير أكاديمي بل عاش العنف طيلة حياته، فهو يعمل ضابطاً في السجن حيث يرى العنف يومياً، ومارس الجودو ورياضة الشيش والكاراتيه والتايكواندو والجوجيتسو، ويدرب حرس السجن على القتال اليدوي وأنواع الأسلحة، وهو خبير في الإسعاف وحتى عمل حارساً في كازينو. القائمة تطول، لكن هذا الرجل يعرف العنف كما تعرف أنت اسمك. وكتابه لا يركز إلا على عنف الشارع والدفاع عن النفس، لكن حتى هذا أمر شديد التعقيد وليس بالسهولة التي يظنها الناس، فماذا تتصور الدفاع عن نفسك؟ أن تتسلح بالكونغ فو أو الجوجيتسو البرازيلية و»خلاص»، صرت جاهزاً لأي خطر؟ أنت واهم!
خذ مثالاً بسيطاً يوضح ذلك: تعرف أحد فنون القتال، وأنت في مكان عام. يحصل خلاف لفظي بسيط بينك وبين رجل آخر. يولّي بعيداً، لحظات وتسمع وقد أقدام تركض، تلتفت وإذا به أمامك مباشرة يصرخ ويهددك أو يضربك. ماذا تفعل؟ لا تقل «سأدافع عن نفسي» أو «سأضربه»، فهذا واحد من احتمالات العنف، أي المفاجأة، وفيها يفعل جسمك تصرفات آلية رغماً عنك لا تنفعك فيها فنون القتال، فالأغلب من الناس يتجمّد فترة تطول أو تقصر.
طيب، موقف آخر، لا مفاجأة، بل استشعرت أن عنفاً سيحصل، ماذا تفعل؟ موقف ثالث: ماذا لو عرفت قطعاً أن شجاراً باليد سيحصل بينكما؟ موقف رابع: ماذا لو كنت أنت المهاجِم؟ أربعة مواقف يختلف فيها العنف. الآن لنضف عاملاً يزيد المسألة تعقيداً: درجة العنف. يمكن أن يكون الهدف عدم إصابة الشخص أو جرحه، أو أن تجرح ولا تقتل، أو أن يكون القتل مقبولاً (مثلاً دفاعك عن نفسك ضد قاطع طريق مسلح). لاحظ أن هذه العوامل زادت تلك المواقف من 4 إلى 12 الآن، كل منها له متغيراته وعوامله، ولا يوجد أسلوب أو سلاح واحد ينفع في كل مواقف العنف، لكن هذا ما يعتقده الناس.
إذا كنت كفؤاً في شيء معين (مثلاً فن دفاع عن النفس إلخ) وتظن أن هذا يكفي للتعامل مع كل سيناريوهات العنف في الحياة فهذه من أخطر الأفكار. العنف فيل هائل.