د.عبدالعزيز العمر
ما هو التعليم؟ هذا سؤال كبير طرحه وتأمل فيه الفلاسفة والمفكرون والمربون الكبار لقناعاتهم الراسخة وإيمانهم العميق بدوره العظيم الذي فيه تحقيق الرقي والتقدم الحضاري للشعوب. ولهذا السبب وجدنا القادة السياسيين في أوروبا وفي الولايات المتحدة وفي دول النمور الآسيوية قد وضعوا أيديهم في أيدي فلاسفة التربية ومفكريها بغرض تطوير وإعداد شعوبهم للحياة الديموقراطيه التي تهيء الفرد ليشارك بما يمتلكه من مهارات في ازدهار وتقدم مجتمعه، بل إن أعظم مفكري وفلاسفة التربية والتعليم في القرن العشرين مثل جون ديوي و بلوم عملوا مستشارين عند الروؤساء الأمريكيين.
التعليم ليس مجرد طقوس وممارسات تتكرر يوميا في المدارس، التعليم قبل أن يكون كذلك هو منظومة فكر وفلسفة تستهدف تنوير عقل الطالب. ينظر الفلاسفة والمفكرون التربويون إلى التربية باعتبارها أعظم وأرقى نشاط إنساني، ويؤكدون أن التعليم ليس عملية تعبئة لأوانٍ فارغة (كما هو الحال عندنا)، بل هو إشعال لتساؤلات عميقة وحارقة تدفع الطالب وتحركه ليبحث عن إجابات لتلك الأسئلة، وذلك من خلال اكتسابه لمهارات عقلية ولمنهج تفكير علمي. وبحسب المفكر جون ديوي فإن وظيفة التعليم هي إعداد الفرد للحياة (وليس الإعداد للموت). ويمكن النظر إلى التعليم الحقيقي باعتباره كل ما يتبقى لدى الطالب (أي منهج التفكير العقلاني) بعد أن ينسى كل ما تعلمه في المدرسة، كل ما يمكن أن ينساه الطالب لا يعتبر تعلما. ويمكن النظر للتعليم باعتباره عملية ينتج عنها قيام المتعلم بتعديل وتطوير مستمر لبنيته العقلية أو تصوراته الذهنية عن هذا العالم ليتمكن من خلال تلك البنية من تحليل وتفسير وفهم بيئته المحيطة. كم أتمنى أن يتم صياغة التعليم في بلادي في ضوء ذلك الفكر الفلسفي.