ناصر الصِرامي
قبل أقل من عشرين عاماً من الآن، أرسلت أول مقال مشاركة في صفحة خاصة بالقراء بجريدة سعودية، حينها لا أزال طالباً في السنة الأولى بالمرحلة الثانوية، وكنت من أهل العاصمة السعودية الرياض، لكن لا أعرف إلى الآن، لماذا اخترت صحيفة بعيدة، وفي منطقة أخرى تماماً، لإرسال محاولة الكتابة الأولى، كانت الصحيفة «عكاظ» في المنطقة الغربية، وتحديداً في مدينة جدة.. لم أكن حينها زرت تلك المدينة بعد، ولم تكن حدودي الجغرافية قد توسعت خارج منطقتي الوسطى من البلاد.
نشرت المحاولة الأولى في ذلك الوقت وبدل من أن يكتب اسم العائلة بحرف «الصاد»، نشر بحرف «السين» فرحت بالنشر وأحبطني الخطأ المطبعي، وربما هذا هو السبب، الذي جعلني أهمل تلك القصاصة الصحفية الصغيرة، أو حتى أن أشارك من حولي بفرحة النشر الأولى.
بقيت الكتابة مستمرة، أعقبتها رغبة ملحة للعمل أو بأكثر دقة، رغبة النشر الصحفي تدعوني لمواصلة الكتابة، إلى أن وصلت بعد عام بالتحديد من تلك المحاولة الأولى لأبواب جريدة الرياض، وفي مرحلتها الأخيرة قبل أن تنتقل إلى حي الصحافة بمدينة الرياض، وانتقل معها، وأنقل تخصصي الدراسي للإعلام، وأستمر بالعمل والكتابة والتحرير لنحو عشر سنوات، بتجارب وتحولات مفيدة وثرية.. بعدها مررت بالجريدة اللندنية الشرق الأوسط وأختها الحياة، وإيلاف الإلكترونية، لكنني عدت إلى الكتابة بشكل منتظم مجدد في العزيزة جريدة الجزيرة، وبعد أن كتبت في الرياض وشاركت في التحرير والتأسيس في زمنها الذهبي، زمن تألقها وألقها.. كتبت في الجزيرة الصحيفة في زمن عودتها وانتزاعها للريادة بالمنطقة الوسطى، عشر سنوات تقترب مع هذه العزيزة، كم هي مريحة هذه الصحيفة ومحرضة أيضاً.
أحدثكم عن هذه التجربة المبكرة والممتعة والمثيرة مع الكتابة هذا الصيف، بعد أن بدأت في الصيف الماضي محاولة التوثيق لأغلب ما كتب ونشر هنا أو في مواقع مختلفة، لنحو عقدين من البدايات الخجولة، مروراً بمراحل الصخب وعدم الرضا، وحتى النضج الآن - ربما.
حين دخلت عالم الإنترنت وتأسيس المواقع وإدارات النشر الإلكتروني لمؤسسات صحفية وتجارية، كان الدرس الأول هو التوثيق والأرشفة في عالم إلكتروني شبكي لا يغادر صغيرة أو كبيرة إلا وقد أحصاها. لم أنجح في توثيق كل شيء بالطبع، لكن الأكيد على الأقل أنني نجحت في الجزء الأهم توثيق كل ما استطعت إليه سبيلا.. اليوم أوثق كل ما أكتب، وما أكتب يفوق ما أنشر.. وهذا جزء من علاقتي الخاصة مع الكتابة.. والكتابة.
كتبت في صحف ومواقع عدة ناهيك عن التدوين المطول والمصغر إلى هذه اللحظة، لكن بقيت هذه الصحيفة (الجزيرة)، صاحبة الوقت والتفرغ والنضج الأوسع.
من الجميل أن تكتب وتكتب ثم تكتب، ثم تتفاجأ أن الرصيد الموثق يعادل آلاف الصفحات ومئات المواضيع، وعشرات الاهتمامات دون كلل أو ملل أو تردد، وحين تشاهد الصورة من بعيد تكتشف أن الكتابة دواء وشفاء لك ولبعض الناس، قيمة عطاء خاصة، ونشوة بأثر رجعي، لكنها مستمر.
الكتابة إخلاص والتزام.. ونعمة الكتابة لا تختصر في مقال أو مئة، أنها حالة فكر وعشق خاصة لا يدركها إلا من يجيد الرقص بين الاجتماعي، والسياسي، والثقافة والفن والإعلام، أو كما هي الكتابة المستمرة لعمود صحفي في جريدة جمهورها منوع، والأهم من يجيد الاستمرارية؟.. ويوفق بالوسيلة الأجمل؟.. اعتقد أنني كنت محظوظاً بكل الصحف التي كتبت فيها ووفقت بهذه «الجزيرة» وطاقمها الذي يتحمل كل الاعتذارات والتأخير، وأخطاء لوحة المفاتيح..وأخطائي.
أكتب بعض الذكريات هذه، وأنا اليوم أطلق مواقع يحمل بتواضع اسمي، ويحمل كل المحاولات والصخب والنضج وبعض الخطايا.. هذه قصة مئات ومئات المقالات التي تسنى لي جمعها وتوثيقها على موقعي الشخصي الذي أطلق مؤخراً.. وسأكمل في ذكريات الصيف.. عن عشق اسمه الكتابة.