د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
ظهرت دولة قطر في مشهد جديد يقفُ على منصة رخيصة ودروب وعرة لن تستطيع صعودها حتماً!! فعندما طالبتْ بتدويل الحج فقد دخلت في منعطف خطير ومنزلق اتسعت معه دائرة الصدام والقطيعة بينها وبين العالم الإسلامي بأسره، علاوة على ما يخيم على واقعها المؤسف اليوم. ونحن نجزم أن قطر والموالين لها لن يخنقوا ذبابة ولو اجتمعوا!! فالواقع اليوم وتناقضات التعاطي مع المواقف من قبل حكومة قطر التي وقفت في مواجهة غير متكافئة مع شعيرة من شعائر الإسلام وركن أصيل من أركانه فرضه الله على كل المسلمين {من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}، يدرك العالم بأسره أن بلادنا حين احتضنت الملايين من المسلمين الذين يأتون لأداء الشعيرة فإنها بذلك تشاركهم شرط القدرة والاستطاعة؛ وذلكم شرف لا ندّعيه؛ بل إن خدمة ضيوف الرحمن حد من حدودنا التي نبذل لها الغالي والنفيس، حيث تفتح بلادنا آفاقها في تلك البقعة المقدسة التي خصها رب العباد بأول بيت وُضع للناس, تُجلّلُ مساعيها غايات مُثْلَى منبعها عقيدة راسخة, ويقين أكيد أن ذلك الحشد السنوي المتصل بالإيمان والضارب في أعماق المسلمين, تلزمُه إرادة لا تلين, واتكاء متين على أولي العزم من العاملين في مؤسسات الدولة المحيطة بذلك النطاق تخطيطاً وتنفيذاً. فعندما يكتمل بزوغ أهلة الحج, ويتحقق وجود الحجاج في المشاعر المقدسة, فإن الوعي بوجودهم يتمدد وتحتويه - بإذن الله - السماوات والأرض والأزمنة والأمكنة, فتتجلّى جهود حاضرة جبّارة لضبط ذلك المؤتمر الإيماني المتصل بعقيدة المسلمين المتمم لإسلامهم, فيشهد الحجاج في داخل المشاعر والعالم أجمع جموعاً تُرتبُ تفاصيل المشهد كاملاً وفق توجيهات القيادة الرشيدة؛ فإذا ما تحدث العالم عن علم إدارة الحشود فهو في بلادنا مكين أمين, وإن تباروا في أطروحات التنظيمات الإدارية فقد نالتها بلادنا في مواسم الحج باستحقاق مع مراتب الشرف بلا منازع؛ وإن رُصدت مواقع الأمن وحياض الحماية فإن أمن الحجاج وثائق فداء حقيقية نباهي بها الأمم, ويستظل بها الحجاج في كل شبر من المشاعر المقدسة, وإن كانت للبيئات المثالية حين الحشود أمثلة عند المنظّرين, فبلادنا حصدتْ منها أطواق سمو, وبطاقات تميز, وأوسمة شرف.
وإن أشاد العالم بمؤسسات الصحة وطب الطوارئ فنحن في العدوة العليا منها، فلم تكن منشآتنا الصحية معدّة لاحتضان العوارض المؤقتة فقط إنما بلغت شأناً عظيماً قدرة استيعاباً وإتماماً وكل الممكنات التي انتهجتها وزارة الصحة هذه الوزارة القافزة إلى الأمام بقيادة عرابها الجديد.
إن طبيعة الإنجاز في واقع المشاعر المقدسة, وتتابع المقاصد السامية في مواسم الحج وكثيراً من الإستراتيجيات الكبرى التي منحتها قيادتنا الرشيدة مفاتيح الدخول إلى كل الفضاءات لتيسير أداء الشعيرة على ضيوف الرحمن في مواسم الحج المتوالية كل عام بتوفيق من الله ثم بعزيمة المخلصين من أبنائها, وذلك الاستمرار المتدفق, وتلك المشاريع العملاقة في المشاعر, وتلك الحشود المؤهلة في الداخل لراحة الحشود القادمة من الحجاج ثم الحصاد السنوي في كل موسم عندما تسطع أضواء المنجزات في الآفاق, ويعلو صوت الاستحقاق بأن خدمة ضيوف الرحمن هو شرف بلادنا الذي تسمى به قادتنا وتساموا به بين الأمم, كما أن مواقفنا الثابتة منذ الأزل تجاه ألوية الحجيج التي برعتْ فيها قيادتنا الحكيمة حين نجحت في صناعة التنسيق بين قطاعاتها المختلفة لتحقيق خدمات متميزة لضيوف الرحمن، كما أبدعتْ بلادنا في قيادة مراحل أداء النُسُك بكفاءة واقتدار, وتعاملتْ مع المواقف المختلفة وما يُخاتل مواسم الحج من حوادث عارضة بالحكمة وفصل الخطاب, كل هذا وذاك اختصاص لبلادنا وفضل من الله, ولبلادنا...كان شرف المكان والشعيرة واستباق الفضل في ذلك, ولعل من حديث الواقع حين نقول إنَّ خدمة حجاج بيت الله أصبحت جزءاً من هوية هذه البلاد الطاهرة ومن صِلاتها بالآخر ومن رموز حضارتها, ومكوناتها الفكرية, وهو شرف لا ندّعيه بل حقيقة ماثلة لا تملكها دول العالم قاطبة تُرى رأي العين, كما أن بلادنا بلغتْ في العناية والاهتمام بمواسم الحج ما لم يبلغه تنظيم أو حشد دولي آخر لسمو المقصد ونبل الهدف، إضافة إلى ارتباط تلك الشعيرة بعقيدة المسلمين وتمام دينهم, فخدمة الحجاج هي خدمة للإسلام والمسلمين، ولا سوى ذلك يا قطر من مآربكم الأخرى!!؟
وختاماً؛ فإن القاعدة الأولى والأخيرة في قانون العلاقات أنه دائماً ما تظهر المشاعر في البدايات ولكن في النهايات تظهر الأخلاق!!