ياسر صالح البهيجان
طال صمت الحكومة القطرية تجاه تداعيات أزمة بلادها ودول الجوار، واتجهت الآمال نحو احتمالية ضئيلة بأن تستجيب الدوحة ولو نسبيًا لمطالب أشقائها الخليجيين ومصر، لكن ظهور أميرها أكد أن التعنت سياسة متأصلة، لذا كان خطابه حافلاً بالمرواغة والتحايل وخلط الأوراق، بين شؤون داخلية وقضايا عربية وإسلامية، ما يشير إلى ارتباك رؤية الدوحة إزاء ما يجري ورفضها لفهم الأحداث فهماً عقلانياً.
تميم لم يتناول إطلاقًا في خطابه مطالب الدول المشروعة، ولم يفصح عن أسباب تمسكه بجماعة الإخوان وحركة حماس المتطرفتين، ولم يشر لتمويل الدوحة لمنظمات مسلحة في ليبيا وسوريا واليمن لتقوض مساعي السلام في المنطقة. ولم يتطرق لاحتضان بلاده ودعمها لمعارضين خليجيين يحرضون ضد أوطانهم ومجتمعاتهم. حديثه كان عاطفياً وليس سياسيًا، والقضايا الأمنية لا يمكن تفسيرها بخطاب وجداني، بل بأسلوب سياسي رصين اعتادت أن تنتهجه الدول ذات الوزن الثقيل في مباحثاتها وحلها للخلافات فيما بينها وبين الآخرين.
مطالبة قطر بكف الأذى والتوقف عن دعم لإرهاب ليست من الإملاءات كما يصفها تميم، بل ضرورة كان ينبغي على الدوحة إدراكها كمسلّمة تفرضها المواثيق والأعراف الدولية، فضلاً عن الأخلاق العربية وشيم العرب في تعاملهم مع الجوار، ولا سبيل لخداع الشعوب بتبرير ما تقترفه الحكومة القطرية على أنه ينضوي تحت حرية التعبير وممارسة السيادة.
ما قاله تميم يؤكد حجم قلقه من فقدان ثقة الداخل القطري به، وقد ضاق المواطن ذرعًا بسياسة حكومته، وهو شعب شقيق تواق للسلام ويهمه استقرار وأمن دول الخليج، لكنه يواجه تغييبًا لصوته الحقيقي، ولا تُظهر وسائل الإعلام المدعومة من قطر إلا أنصاف الحقائق، هذا إن كان نصف الحقيقة ظاهرًا.
وادعى في خطابه بأن إعلام دول الجوار يشهّر بالدوحة ويشوهها، متناسيًا بأن القنوات الإعلامية التي يدعمها كانت ولا تزال تمارس أبشع من ذلك منذ 20 عامًا، ولو كان جادًا وصادقًا في زعمه لما ابتدأ بظلم ذوي القربى. كان يظن بأن دول الجوار لا تمتلك قوة إعلامية مؤثرة، لكن الأزمة مع بلاده كشفت له بأن الدول لم يكن صمتها ضعفًا أو قلة حيلة، ولكنه احترام لدولة تمادت حتى لم يعد لاحترام سياستها أي دور في هذه المرحلة التاريخية الجديدة.
الخطابات الاستجدائية لا محل لها في السياسة، والمراوغة بذر الرماد على أعين الشعوب هي الأخرى جوفاء ولا تجدي نفعًا. أمام الدوحة طريق واحد واضح، ومطالب معلنة وصريحة، والقبول بها كفيل بإخراجها من عنق الزجاجة، وإلا ستظل محشورة داخلها إلى الأبد.