في بداية الحضارة البشرية كانت المرأة هي المنظم العام للعلاقات الاجتماعية، أي أنها كانت السلطة بمفهومنا نحن. ففي بداية الحضارة لم يكن أحد يملك أحداً آخر، لا المرأة تملك الرجل ولا العكس، ومن يعزو تسلط الرجل على المرأة -من ما يسمى علماء اجتماع في عصرنا- إلى فارق القوة أو أي فارق بيولوجي أو جنسي، إما أن يكون قاصداً لتشويه منشأ الإنسانية، أو هو إمّعة خاضع للتلقين وبالتالي لا يستحق كلمة عالم.
في المجتمع الأمومي كما أطلق من تسمية على ذلك العصر كانت للمرأة قدسية تصل إلى حد الألوهية، فهي المنجبة للمجتمع من ذكور وإناث، وهي المربية والمزارعة والمعلمة ومبتكرة وموظفة الأسطورة، أي المفكرة وهي ذاكرة المجموع بتحديدها للمواسم والتجربة المتراكمة وهي الإدارية والموزعة للخيرات...الخ. لم يكن للرجل من دور سوى الصيد والحماية من الضواري. وبالرغم من ذلك كله لم تستعبد المرأة الرجال.. لماذا؟ هل السبب يعود لسيكولوجية المرأة؟ أو الرجل؟ وهل الاستعباد هو مسألة نفسية؟
لم تكن الظروف الموضوعية في ذلك المجتمع قد نضجت لظهور الملكية الخاصّة، ماذا يعني ذلك؟... أنْ تمتلك بيتاً أو سيارة أو ملابس أو ما شابه ذلك، فهذه ملْكية شخصية وليست خاصّة! ما هي الملْكية الخاصّة إذن؟... الملكية الخاصة هي امتلاك ما ينتج الثروة ويشترك معك آخرين -مهما كان عددهم- في تشغيله كالمعمل أو المصنع أو الأرض الزراعية أو ما شابه!.. وفي ذلك المجتمع البِكْر لم يكن هناك فائض من الصيد أو الزراعة ليكون أساس لتمييز أفراد المجتمع، وظهور من يملك ليشغِّل من لا يملك ويستعبده! ولذلك لا يمكن اعتبار أنّ الملكية الخاصة هي ضرورة في المجتمع الإنساني، وهي تحتاج إلى «سُلْطة» لتثبيتها وحمايتها لأنها مضادّة للأساس الذي نشأ عليه المجتمع، كما أنها ظهرت في حقبة تاريخية من تطور المجتمع وستختفي في حقبة لاحقة. والأساس الاجتماعي الذي يشكّل جزءاً من إنسانية البشر والذي يميزهم عن الحيوانات هو الملْكيّة العامة للثروة وإدارة المرأة.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا وصلت المرأة إلى هذا الحضيض الذي نشهده في عصرنا؟.. والجواب الذي لا بد من الاعتراف به هو أن المجتمع البشري كله وصل إلى هذا الحضيض المرّ بسبب الملْكية الخاصة المنافية لإنسانية الإنسان، فلم تصبح المرأة المقدسة وحدها هي سلْعة تباع وتشترى، بل يريد الرأسمال العالمي أن يكون المجتمع كله برجاله ونسائه وشبابه وشيوخه وأطفاله سلعة تباع وتشترى!.. يقول المفكّر الأمريكي نعوم تشومسكي: (في الثمانينات كان 20% من المجتمع الأمريكي يملك 80% من الثروة والعكس صحيح، أما حالياً 1% يملك 99% والعكس)، أي أن الملكية الخاصة ماضية بأداتها القمعية التي تسمى تجميلاً (سلْطة) إلى القضاء على الملكية العامة أي إنسانية البشر المجبولين على الحرية وليس الإستعباد، ثم إشاعة الملكية الخاصة التي تقسم البشر إلى سادة وعبيد، أي إلى بشر ولا بشر، أي إلى بشر وحيوانات تشتغل كالآلات وبأرقام! فهل تستطيع ذلك؟
- د. عادل العلي