سعيد الدحية الزهراني
في كل مرة يستوقفني فيها استفهام عوالم الاتصال ومعالم الإعلام بتجلياتها الثقافية والمجتمعية.. أجدني منجذباً لمرجعية البيئة الاتصالية الالكترونية.. لأن المصطلحات ومدلولاتها تعرضت عبر هذه البيئة الجديدة لهزات عميقة مفاهيمياً وتطبيقياً.. ومنها السؤال الشيق حول شمولية الصحافي أو تخصصه.. في إطار معايير المهنية والإنتاج وتحقيق الدور الوظيفي الأمثل صحافياً..
الواقع الاتصالي اليوم تمثله ثورة معلوماتية شاملة وهائلة.. سمتها الرئيسية - بعد السرعة والتسارع - التشاركية إنتاجاً واستهلاكاً.. ما أسهم في خلق حالة من الإرباك في عملية تنظيم البيانات والتعامل معها والإفادة من مضامينها.. وهو ذات الأمر الذي يحتم ظهور مايشبه الجداول المائية التي تضمن الإفادة في عملية تنظيم المعلومات وتقديمها بصفة واعية وخلاقة.. وهنا نصل إلى الصحافي المتخصص الذي هو بمرتبة خبير في تخصصه وحقله ومجاله..
الموسوعيون في مرحلة التدفق الهائل للمعلومات ليس في كل الحقول بل في التخصص الواحد.. باتوا أسطورة تخيلية غير واقعية.. اليوم أضحى التخصص الواحد بتفريعات شتى تحتاج لمتخصصين في فرع واحد من تخصص واحد.. في نتيجة حتمية تبرهن على أن الصحافي الشامل بات حالة ادعائية لا أكثر..
الشواهد من رموز الإعلام المتعددة في حقول التعاطي والنشر تؤكد هذا الاتجاه.. إذ حين يحضر اسم ووسم أحد الرموز الصحافية يبرز اتجاهه الخاص ومجاله المتخصص في السياسة أو الاقتصاد أو الثقافة أو الرياضة أو الفن وهكذا..
بطبيعة الحال.. لا يلغي هذا الاتجاه نحو التخصص الصحافي بالحتميّة كما أسلفت.. ضرورة أن يلم الصحافي بمعالم الحقول الأخرى ومستجداتها.. وهذا متحقق بالأصل جراء الثورة المعلوماتية التي أفرزتها البيئة الاتصالية الالكترونية التي لا تستأذن أحداً في الوصول والانتشار.. لكن البصمة التي تصنع الفرق وتحقق المفهوم الصحافي وظيفياً تكمن في استراتيجيات التخصص التي شملت حتى الفنون الصحافية مثل التحقيقات الاستقصائية والأعمال الحوارية وغيرها..