نادية السالمي
بغير عدم الثقة في النفس، وخيانة القيم والمبادئ, بماذا نشخّص أوضاع أغلب الذين يصابون بالذعر من المرأة خوفًا من أن تفتنهم، ويخشون على أطفالهم الذكور من الميوعة إذا تولّت تعليمهم في الصفوف الدنيا امرأة؟!
الرابط المشترك بين ابن حجر العسقلاني وهلين كلير:
يتقاطع «ابن حجر العسقلاني»، مع «هيلين كلير» في إن المرأة المثقفة الواعية هي من انتشلتهما من الضياع، وأرشدتهما إلى طريق الصواب منذ نعومة أظافرهما إلى الوفاة. ابن حجر نشأ يتيمًا فوالده توفي وعمره 4 سنوات، وما لبث كثيرًا إلّا ورحلت والدته، فتولّت أخته «ست الركب» تعليمه وتربيته ويُرجع لها الفضل فيقول: «هي أمي بعد أمي»، ما كانت «ست الركب» الأخت الرؤوم المعلمة الوحيدة في حياة ابن حجر، بل تطلبت مسيرته التعليمية التلمّذ على خمسين أستاذة من جنسيات مختلفة في علم الحديث على سبيل المثال فاطمة المنجي من دمشق، وفاطمة محمد عبد الهادي من القدس، وخديجة إبراهيم من بعلبك، تعلّم منهن الحديث، ولم يكن يشعر بحرج في القرن الرابع عشر الميلادي كونه درس الحديث على أيدي أستاذات!. وما جاء ابن حجر ببدعة، ولا بأمر لم يتعارف عليه الناس ويقرّه الشرع، فغيره كثير مثل الحافظ ابن عساكر ذكر الإمام الذهبي في كتاب «سير أعلام النبلاء» أن شيخات الحافظ 80 امرأة، ويُروى أن ابن عساكر صنّف معجمًا خاصاً بأسماء اللاتي تعلّم على أيديهن عرفانًا بفضلهن.
أما هيلين كلير أديبة لها ثمانية عشر كتابًا، وناشطة أمريكية عانت من حمى أدت إلى فقدانها السمع والبصر وهي لم تبلغ عامها الأول، فاختار لها والدها في سن السابعة معلمة متخصصة تدير شؤونها وتهتم بتعليمها، حصلت كلير على شهادة البكالوريوس وأصبحت ناشطة حقوقية، والفضل لا يعود لذكاء هيلين فقط، بل للمعلمة التي احتوتها وأغدقت عليها الحب والحنان والثقة، واستطاعت الصبر على كل المعوقات لتصنع من هيلين إنسانًا له دور في الحياة.
القال والقيل في تدريس المعلمات للمرحلة الأولية:
«تربية الرجال للأطفال الذكور أنجح وأفلح»
هذه كذبة يكذّبها كل بيت تتولى فيه المرأة تدريس أطفالها الذكور، فيتعود ويكبر الطفل ويميز أن المواد الدراسية تخصص أمه أو أخته، فهي أصبر على تعليمه وأطول بالًا، وقلبها من الأب أحن عليه، وتعرف كيف تحفّزه وتنمي مداركه التعليمية، أما أخبار الرجال والمجالس فيأخذها من أبيه ولا يرغب إلا بصحبته متى ما خرج!.
«البنات لهن طبيعة والأولاد لهم طبائعهم، فلا تقحم أحد الجنسين مع الآخر فتختلف الطبائع».
هذا قول حق ولكن توظيفه هنا باطل، تجتمع الأسرة ويختلط الأطفال مع بعضهم بنين وبنات وكل منهم محتفظ بخصائص شخصيته، بل ويتفاخر بها، وبيت الأسرة يجتمع فيه الأحفاد بنين وبنات والجميع يلعب في دعة لا تفوّق فيها إلا لمن باللعب غلب، أو لمن ضل بتربيته فاعتقد أن للذكور فضلاً على الإناث!.
«تصرفات هذا الجيل أكبر من سنهم معاكسات وحب نتيجة تأثير الإعلام»
الأطفال أنقياء ليدركون هذه الأمور إلا إن كانت في بيئتهم، وتمارس أمامهم ما يعني أن المشكلة في منزل الطفل، الطفل من خمس إلى تسع سنوات لا يدرك حب الجنس الآخر ولكنه قد يقلّد!.
ميزة المعلمة على المعلم في الصفوف الدنيا:
المعلمة الكفء المتدربة تستطيع أن تزرع في الأطفال من سن 5 إلى 9 نبتة يستظل بظلها الطفل حتى يكبر، يتعلم الإحسان والبر والذوق وتكتشف فيه موهبة تنميها، وتحت هذا الظل يدرك أن المرأة تحمل نفس عبء الرجل إن لم يكن أكثر، فيتعلم أنها شريكة للرجل بل صناعة للرجل، تستحق التقدير والاحترام، وهذه فرصة يتسنى للأم من خلالها متابعة الطفل والتواصل مع المعلمة والتعاون معها.