لقد شاعَتْ في الآونةِ الأخيرة كتابةِ القصة القصيرة جدًا، وبطبيعةِ الحال فإنَّ أي شكلٍ مِن أشكال الكتابة الجديدة سيواجه اعتراضات، وهذه الاعتراضات تنحصرُ في عدمِ قابليَّة التجديد كما رأينا ذلك في الشِعر الحُر، وكذلك عدم اكتمال ونضج هذه الأشكال الأدبية المُستحدثة.
يرى الروائي المصري إبراهيم عبدالمجيد في مقالٍ له نشرَه في مجلَّة الفيصل: أنَّه لا يمكنُنا أن نُفرِّقَ بين الخبر والقصة الومضة، وهو يُعارض هذا الشكل الأدبي الجديد، بل يعتقدُ أنَّه جنايةٌ مِن جنايات الميديا ومواقع التواصل الاجتماعي على الأدب، إذ بسببِها لم نعُدْ نُفرِّق بين الأدب الرفيع والأدب غير الجيِّد، وبالتأكيد هو مُحقٌ في ذلك إذ أفرزت حريَّة الكتابة في الميديا نصوصًا كثيرة لا تنتمي للفنون القولية وإن كان أصحابها يدَّعون أنَّها جديدة ومُبتَكرة.
يصِفُ النقاد بأنَّ القصة القصيرة جدًا بأنَّها تتَّسِمُ بالتكثيف وقِلة الكمية للجملِ والعِبارات التي تشتملُ عليها، والسؤالُ الذي يجبُ أن نُلقيَهُ في هذا السياق: هل هذا التكثيف وقِصر الحجم يتَّسق مع قِلَّة الأحرف المطلوبة في بعض المواقع، وأنا أعني بذلك تويتر، وهذا السؤال يجب أن يُجيبَ عليه الدارسون الَّذين إهتمُّوا بالأدب الرقمي، وإن كان لديَّ انطباع أوَّلي ألا وهو لا يُمكنُ لنا أن نقطع بإجابية قلة عدد الأحرف دومًا؛ لأنَّ ذلك يعتمدُ على القاص الذي يكتبُ هذا النوع، ومدى قُدرته على الاختزال والتكثيف الموحي الذي ينتظم في نسقٍ سردي لا يميلُ عنه.
لم يستطعْ الكثيرون منَ المتحمِّسين لكتابة القصة القصيرة جدًا عبْرَ مواقع التواصل الاجتماعي استظهارها من الكتابة المحضة التي تكون نفسها بالأقلام وعلى لوحة المفاتيح إلى كتابة تقنيَّة صِرْفة يُستخدَم فيها الرسومات والصور والمقاطع الصوتية وغير ذلك من إمكانيات التكنولوجيا.
إنَّ الكتابة الأدبية عبر مواقع التواصل الاجتماعي أصبحَت تتزايد بشكلٍ كبير، ونحن عندما نتحدَّث عنَ كتابة القصة القصيرة جدًا من خلال التقنية فإنَّنا نهدفُ إلى تخصيص الكتابة الأدبية التقنية بأساليب وطرائق تتواكب مع الوسيلة الجديدة التي يستعملُها القاص أو الشاعر وحتى الروائي، فمثلاً لو أُضيفَت إلى القصص القصيرة جدًا لوحة الفيسات والتعبير المتاحة في لوحة المفاتيح بالأجهزة الذكية بشرط أن تتساوق مع مدلول القصة لرُبَّما هذا أعطاها بعدًا جمالي أكبر، وكذلك لو تمَّ عرض القصة في مقطع فيديو مع مؤثر مناسب لكان أكثر إبداعًا من تلك الكتابات الجامدة على مواقع التواصل الاجتماعي.
لقد نجح كُتَّاب القصيدة الحديثة وخصوصًا في نهاية الستينات من استعمال تقنيات جديدة في كتابة النص الشعري، ومن ذلك توظيفهم للإيقاع الخطي البصري المُشاهَد، ولا ننسى أنَّ إمكانيَّة عصرهم التقنية محدودة، وبناءً على ذلك فنقول: هل ينجح كتَّاب القصة القصيرة جدًا من تقديم تجربة مُتفرِّدة في كتابة هذا الشكل السردي عبْر مواقع التواصل الاجتماعي؟
إنَّنا في هذا المقام لا بُدَّ أن نقول لكُتَّاب القصة القصيرة جدًا والأشكال السردية في الشبكات الإلكترونية: إنَّ الأديب اليوم يُفترض أن يكون مُلِمًا بكيفية إخراج نصوصه التي يكتبها، وأعتقد أنَّ تعلُّم الإخراج وإمكانات التكنلوجيا بات مُلِّحًا وهذا لا يقتصر على الكتَّاب الشباب، بل حتى الكتاب الكبار الرواد فالمعرفة والإبداع لا يرتبطان بعمر مُعيَّن.
- راشد القثامي