أعتمدُ في هذا المقال على كتابٍ للمفكر فوكوياما بعنوان (نهاية الإنسان - عواقب الثورة البيوتكنولوجية)؛ وفيه يناقش تطورات العلم التطبيقي وعلاقته بالتقنية وتأثيره على الأجيال القادمة . وينطلق في هذا النقاش من كتابه السابق (نهاية التاريخ) الذي مجّد فيه الليبرالية عمومًا والديموقراطية خصوصًا في الناحية السياسية؛ لذا من الممكن أن نقول بأن كتابه الثاني محاولة لنقض ما يخشى أن يضر بكتابه الأول؛ لأن دعاة حرية البيوتكنولوجي لا يعولون كثيراً على السياسي، بل إنهم يطالبون بتأطيره وعدم الخوض في تطويرهم العلمي .
البيوتكنولوجي تَعِدُ الإنسان بالتحكم فيه قبل ولادته؛ فهي من الممكن لها أن تتدخل في ذكائه وتقضي على الأمراض الوراثية التي يُتوقّع أن تصيبه ؛ وهي أيضاً تمنح الإنسان أكثر السبل قِصَرًا إلى سعادته من خلال الأقراص التي تقضي على الاكتئاب ومن خلال التحكم في الجينات التي تطيل العمر؛ فيزيد عمره وتتنامى سعادته، وكل هذا يناقشه المؤلف بتفصيل وتدقيق مهم جدًا وليس بعيدًا عن الخيال .
ويهاجم فوكوياما علماء البيولوجيا لعدم اهتمامهم بالأخلاق بقدر ما يهتمون بتطوير العلم، وينتصر كثيرًا لللاهوتيين والفلاسفة؛ والسياسيين على وجه الخصوص؛ لأنهم هم المخلص الأكيد من هذه الثورة التي ستقضي على الإنسان. وعلى هذا فقد أفرد فصلًا مهمًا في نقاش مفهوم الطبيعة البشرية والكرامة البشرية لدى الأديان والفلاسفة ؛ وحاول أن ينتصر للكرامة البشرية من خلال التأطير السياسي لهذه الثورة البيوتكنولوجية .
ومناداته بمواجهة هذه الثورة من خلال السياسي يكمن في العمل الديموقراطي الذي يُقنِّن البيوتكنولوجي؛ ويجعلها خادمة للإنسان بدلاً من أن يكون هو الخادم لها، وعليه فدعوته تمتد إلى المطالبة بمنظمة عالمية تواجه هذه الثورة فيما يضر بكرامة الإنسان؛ ويجعل أمريكا هي القائد لهذا التأطير . وينطلق لقناعته بالطبيعة البشرية من كونها: «مجموع السلوك والخصائص التي تميز جنس البشر والناتجة عن العوامل الوراثية لا العوامل البيئية» (نهاية الإنسان ص193) . فهو أولاً يعترف بالطبيعة البشرية ولا ينفيها كما يفعل الكثير من علماء البيولوجيا وثانياً يحصرها في الجانب الوراثي لا البيئي لأن البيئي متغيّر بينما الوراثي ثابت .
وهناك تصوير سينمائي لتأثير البيوتكنولوجي في العديد من المسلسلات والأفلام منها ( Sense8) وكذلك مسلسل ( Continuum )؛ اللذان يغوصان في مدى تأثير الشركات التقنية والبيولوجية على الإنسان، وكيف تجعل منه مطيعًا لها بقوتها في الدخول في ذاته ودماغه وخياله؛ فتُصوِّر الصراع بين الإنسان الطبيعي والإنسان البيوتكنولوجي . و لعل هذه الأطروحات من آخر ما يناقشه الفلاسفة في مرحلتنا الآنية؛ وقد عرض المؤلف لرفض هابرماس للبيوتكنولوجي التي تقضي على الطبيعة البشرية .
- صالح بن سالم
_ssaleh_ @