ياسر صالح البهيجان
ثمة حالة فوضى في كثير من المساجد في ظل تقاعس الأئمة عن أداء مسؤولياتهم، وغياب الرقابة الصارمة من وزارة الشؤون الإسلامية، ولعل أكثر حالات الفوضى وضوحًا هي تزايد أعداد الأئمة والمؤذنين الوافدين، وفضلاً عن كونهم عمالة مخالفة تمارس دورًا ليس منوطًا بهم فإنهم كذلك لا يجيدون نطق الأحرف من مخارجها السليمة، في مشهد لا يليق إطلاقًا ببيوت الله.
الحقيقة أن أزمة شح الأئمة ليست ناتجة عن قلة الكفاءات الوطنية في مجتمع لا تزال كلياته الشرعية تخرج الآلاف من الشباب سنويًا، ولكن الأزمة جاءت بسبب العشوائية في بناء المساجد، حتى لا تكاد تجد بين المسجد والآخر مسافة تتجاوز 500 متر، وهذا ليس هدرًا ماليًا فحسب، بل أيضًا أحد أسباب تفكك التواصل فيما بين أفراد الحيّ الواحد، وهدر للطاقات، وإرهاق لميزانيات النظافة والصيانة.
تقنين عملية بناء المساجد وتحديد مسافات فيما بينها كفيل بحل إشكالية الاتجاه للعمالة الوافدة من أجل سد نقص جاء نتيجة فائض في التشييد وغياب للنظم المشرعة له. وأوجه الدعم الخيري متعددة ولا تكاد تنقضي، لذا فإن توجيه الأعمال الخيرية نحو مشاريع أخرى غير المساجد ضرورة ملحّة يفرضها واقع المجتمع، وبالإمكان توجيهها لإنشاء المدارس والمستشفيات ودور الأيتام وغيرها مما يمثل احتياجًا أكبر، ويحدث توازنًا في نوعيّة الخدمات المجتمعية.
المجتمع ليس بحاجة لأعداد هائلة من المساجد إن كانت تلك الكثرة ستصعّب من إمكانية الاهتمام بها، لذا فإن تقليل أعدادها مع التركيز على جودة خدماتها ونظافتها سيحقق الغاية الدينية السامية من إنشائها، وسيحفظ لبيوت الله قدسيتها، وستتمكن المساجد أيضًا من ممارسة دور اجتماعي يفوق دورها التعبدي، لتمثل فرصة للتعاون والتآخي بما يعزز لحمة الوطن، ويضاعف من تماسكه.
وفي المرحلة الراهنة، فإنه يُنتظر من وزارة الشؤون الإسلامية إعادة النظر في آليات اعتماد بناء المساجد، وربطها بالتعداد السكاني للأحياء لتحديد الاحتياجات الفعلية، إضافة إلى وضع اشتراطات أكثر صرامة في اختيار الأئمة والمؤذنين، وسن عقوبات تأديبية لمن يتحايل على القوانين ويتستر على العمالة الوافدة لأداء مهامه الرسمية. خطوات ليست باليسيرة، لكنها مهمة ولا يمكن إهمالها إن أرادت الوزارة معالجة الفوضى، ووقف السلوكيّات المسيئة لبيوت الله.