فهد بن جليد
بمجرَّد دخولك إلى أحد صوالين الحلاقة غرب العاصمة الرياض، يلفتُ انتباهك تلك الشهادات وميداليات الاستحقاق التي علَّقها الحلاقون المغاربة على جدران المحل من الداخل - تشبه إلى حد كبير الشهادات التي يُعلِّقها الأطباء في عيادتهم - والتي تمنح المريض الطمأنينة اللازمة بأنّه في المكان الصحيح وبين أيدٍ أمينة، وأنَّ الذي أمامه طبيب حاصل على شهادة علمية وأكاديمية، وليس (سبَّاك) يتعلم في أجساد المرضى، مع كامل الاحترام والأهمية للدور الذي يقوم به ويؤديه الإخوة السبَّاكون في تخصصهم.
قد لا تعني تلك الشهادات والميداليات شيئاً لبعض الزبائن، ولكن هناك من يشعر بالتميز عند جلوسه على كرسي الحلاقة الخاص بالأخ مصطفى وهو يرى فوق رأسه شهادة درجة الدبلوم التي حصَل عليها في تزيِّين وجوه الرجال من الجامعة الوطنية للحلاقة في المهرجان الوطني الأول للحلاقة والتجميل الذي نظمته جمعية العهد الجديد للحلاقة والتجميل في الصويدرة عام 2013م المُعترف به من وزارة الصناعة التقليدية مع الميدالية الذهبية للمهرجان، أمَّا الشهادة الأخرى لكرسي الحلاقة الخاص بالأخ حسن فتدل على أنَّه نجح في امتحانات مدرسة راضي كواف الخاصة للحلاقة وحصل عام 2003م على شهادة الاستحقاق، مع البطاقة المهنية للمزاولة التي أهلته منذ ذلك الحين للعمل في السعودية بتلك الشهادة التي جلَبَت له العديد من الزبائن - رغم عدم اشتراطها - وكذلك شهادة الأخ أيوب الصادرة من مدرسة أركواف للحلاقة والتجميل في عام 2001م، وأكثر ما يُزعج هؤلاء المُتخصصين هو دخول بعض المُتطفلين لمزاولة المهنة دون الإلمام بأصول الحلاقة أو التأهيل الأكاديمي، فهؤلاء بالنسبة لهم (مُرتزقة) يتعلمون في رؤوس ووجوه الزبائن، ويكسبون شهرياً الآلاف من الريالات، في ظل عدم وجود اشتراط تأهيلي لمزاولة المهنة.
هذه التجربة تترك الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام تساؤلات قديمة مُتجددة حول التشوّه الذي أصاب سوق العمل لدينا، نتيجة عدم اشتراط تأهيل أصحاب المهن البسيطة في شوارعنا من العُمال السبَّاكين والحلاَّقين والكهربائيين والطبَّاخين الذين يملؤون المحلات والبوفيهات والمطاعم، ودور الجهات التي تمنحهم الإذن وترَّخص لهم بالعمل في أسواقنا، وهل نحن نهتم بالتخصص كجمهور، أم أنَّ ما يهمنا هو سرعة إنجاز العمل وقابلية العامل لتنفيذه كيفما اتفق.
المُحزن دائماً أنَّ أول سؤال يخطر ببال الزبون عند رؤية شاب سعودي في سوق العمل هو مؤهلة، وهل يملك الخبرة أو الدّراية اللازمة لمزاولة تلك المهنة - وأقرب مثال ما حدث عند توطين سوق الاتصالات - بينما يختفي هذا السؤال بمجرد أن نقف أمام عامل أجنبي، ألا يُمكن اعتبار ذلك أزمة ثقة في اليد العاملة السعودية.
وعلى دروب الخير نلتقي.