فيصل خالد الخديدي
مر تعليم الفنون أو التربية الفنية بمراحل تاريخية عدة، كان من أولاها وأقدمها النقل والتعليم من الأمشق، وهي مرحلة يرى المؤرخون أنها امتدت من عام 1843حتى 1916م، وهي طريقة يتم فيها تدريب الطلاب على النقل والمحاكاة من رسومات سابقة لمن يكبرونهم سنًّا، تتدرج بهم من السهل إلى الصعب. وهي طريقة قديمة، تلغي شخصية الطالب، وتعطل تفكيره على حساب صقل مهارته في التقليد والمحاكاة، وربما تكون مقبولة بعلاتها في تعليم الفنون رغم بدائيتها، ولكنها تنتقل لمنطقة أخرى غير مقبولة إذا مورست في الفنون التشكيلية ومشاركاتها, حتى لو كانت من مبتدئين في الممارسة التشكيلية؛ فتأثُّر الفنان بمن سبقوه أو حتى مجايليه لا يتعدى أن يكون للتدريب والتعلم دون العرض والمشاركة. ولعل ما قام به الفنان فرانسيس بيكون من إتلاف معظم أعماله في مرحلة البدايات من حياته الفنية، التي كان تأثره فيها بأعمال ببيكاسو ووليجيه ولورسا وسوربي واضحًا.. لعله خير شاهد على حضور شخصية الفنان، واعتداده بما يقدم، وأنه يمثل فكره لا فكر غيره؛ فحتى في تأثره بأعمال غيره من الفنانين لم يكن يراها من المناسب للعرض وحتى البقاء؛ فعمله بوعي وحضور فلسفته وفكره جعله يعي جيدًا ما يريد في أعماله التي قال عنها (ليست أعمالي إلا سعيًا دؤوبًا لإظهار نمط من أنماط الإحساس.. فالتصوير يعكس بنية جهازنا العصبي الخاص، وذلك من خلال إسقاطه على القماش). فبالرغم من المعاناة والعذابات التي تتبدى في أعماله، وتماسه مع تجارب الآخرين في البدايات، إلا أن فرنسيس بيكون يعتبر حالة متفردة قائمة بذاتها، ولا تزال أعماله حتى يومنا هذا من أهم الأعمال الممثلة لاتجاه التشخيص الجديد في التصوير.
إنَّ تفرد الفنان مطلب، ومتى ما ارتفع منسوب صدق الفنان مع عمله واشتغاله على ذاته وتطويرها، وثقته في فكره، وتنميته، وعنايته بكل ما يقدم، ووعيه لماهية رسالته، وأنها تتجاوز عرض المقلدات والمشاركة بالمستنسخات.. بدأ في التفرد وصياغة هويته المستقلة. فالظهور المكرر بالساحة التشكيلية مزعج؛ فلم نعد بحاجة للنسخ المكررة من الفنانين.. والإبداع أفقه أوسع من أن نرى مئات الفنانين بهوية مستنسخة، وكأنما صُبِّت في قالب واحد مستنسخ بتشوُّه من تجارب لا تنتمي لفن أحد من منفذيها.