محمد المنيف
في بداية انطلاقة الفن التشكيلي في السبعينيات بالأعداد المحدودة قد لا تتجاوز الخمسين أو يزيد قليلاً كانت المعارض والمسابقات أكثر تركيزًا في جانب الموضوع المطروح أو مستوى التنفيذ وكان أغلبية من كانوا في الساحة من حملة دبلوم التربية الفنية ممن تلقوا أصول الفن على أيدي فنانين عرب ألهموهم وغرسوا في نفوسهم كيفية التعامل مع اللوحة كموروث وطني يجب أن يحمل الهوية، فكانت المعارض تبعث في نفوس أولئك الفنانين حب المنافسة والإبداع فظهر مجموعات في كل منطقة من مناطق المملكة يشار إليهم بالبنان شرّفوا وطنهم بأعمال نافست من سبقوهم بما تحمله من استلهام برائحة الوطن وقيمه وتقاليده وعاداته كل حسب أسلوبه المستمد من مختلف الأساليب العالمية دون إخلال بأصالة مصادر الفكرة.
لقد وصفت تلك الفترة بالعصر الذهبي والقيمة الإبداعية المرتكزة على مفهوم أن العمل الفني إن لم يكن متضمنًا فكرة نابعة من محيط الفنان وبيئته فلن تجد لها مكانًا في المعارض فأصبحت تلك الأعمال وما زالت هي أصل الفن السعودي ومن الجميل أننا ما زلنا في هذا الزمن نحظى بأسماء وأعمال لرواد من تلك الفترة وكذلك من شباب يحمل مسؤولية فنونهم التي يمثلون بها وطنهم.
بالطبع لا يمكن أن نتجاهل ما نشاهده من إبداعات لمواهب شابة ما زالت تبحث عن بوصلتها لتحديد اتجاهها لتلتقي بالهوية وتصبح مكملة لما سبق وبحداثة في كيفية تنفيذ الفكرة دون نزع الروح المحلية منها، ودون مساس بقيم الوطن الدينية والمجتمعية، في وقت يعيش فيه الواقع التشكيلي اليوم اندفاع وتسرع وتقليد أعمى فاقد للثقافة الفنية متلقٍ لكل ما يصدر لنا من فنون لا تمثل هويتنا ولا تدل على مصادرها الأصيلة فأغلقت عقول واعين الفنانين الشباب بما أضلهم به فئة تدعي المعاصرة والتطور همها البحث عن الإثارة ولو على حساب ثقافة الوطن.
اختم ببعض من قصيدة الشاعر الهادي آدم وغنتها أم كلثوم متفائلاً بها بغد مشرق للفن التشكيلي:
غدًا تأتلف الجنة أنهارًا وظلاً.. وغدًا ننسى فلا نأسى على ماضٍ تولّى
قد يكون الغيب حلوًا.. إنما الحاضر أحلى..