«الجزيرة» - محمد المنيف:
تشرفت بدعوة كريمة للمشاركة في تحكيم مسابقات الفنون التشكيلية (المعرض الحر والأعمال التفاعلية) في مهرجان سوق عكاظ الحادي عشر، وزادتني الدعوة شرفًا بأن تكون مشاركتي مع زميلَين لهما من المكانة في نفسي ونفوس التشكيليين بالمملكة؛ ما يجعلني أحظى بفرصة للاستماع لكثير من الأمور التي كنت أجهلها في مسيرتهما مع ما كنت أعرفه مسبقًا بما حظيت به بمشاركة الزميل الكاتب والفنان فيصل الخديدي رئيس لجنة الفنون في سوق عكاظ. وقد تطرق الجميع لكل ما يخص الواقع الحالي الذي تمر به الساحة من تبدُّل وتغيُّر وصولاً إلى الخطورة في طمس معالم الهوية التشكيلية المحلية بعدما اقتربت من تسجيلها حضورًا محليًّا ودوليًّا، بما لها من اتصال وتواصل بالبيئة والموروث، وتحقيقها المعاصر دون تخلٍّ عن تلك المقومات.
لقد وجدت في الأوقات المستقطعة بين فترات التحكيم فرصة لطرح الآراء والتصورات والانطباعات والغوص في هموم وشؤون وشجون الفن المحلي من رائدَين من رواد التأسيس والأساليب، هما الفنان طه صبان والفنان فؤاد مغربل.. لم أترك فرصة على الغداء أو الإفطار إلا واكتسبت من خلالها ما أضفى على معلوماتي ما كنت أجهله، ونستكملها في اللقاءات المسائية التي تحفها نسمات الطائف والأجواء الباردة مع أكواب الشاي والقهوة الممزوجة برائحة الورد الطائفي.. حوارات أتت بعد فترة طويلة من التباعد المكاني والزماني بيننا عودًا إلى ظروف العمل محليًّا ودوليًّا لكل منا، فكانت هذا اللقاء فرصة لتبادل الآراء، واستحضار أجمل الأيام التي تجمع فترة الشباب والعطاء النشط وأيام الاستقرار الذهني والإبداعي وتحقيق الكثير من الأهداف التي تخدم الساحة التشكيلية.. إذا علمنا أن لكل من هؤلاء دورًا متميزًا ومقدَّرًا من المنصفين.
سيرة ومسيرة ومختزل تاريخي
وقد يكون حرصي على الخروج بمادة للنشر ناتجًا من أنني لأول مرة التقي الفنان طه صبان مباشرة، وفي وقت أكثر اتساعًا مع الفنان فؤاد مغربل. ويحق لي قبل الاسترسال في الموضوع الموجز أن أذكر أن الفنان طه صبان صاحب تاريخ طويل فنيًّا، وصاحب جهود كبيرة في خدمة الفن التشكيلي من تأسيس وإدارة بيت التشكيليين مرورًا بأتيليه جدة وصولاً إلى تعاونه المتواصل ودعمه للفنانين رفاق الدرب أو الشباب الواعد مستكملاً هذه الجهود بإبداعاته عبر اللوحة التي أصبح بها رائدًا مشاركًا في تأسيس هذا الفن، وحصوله على الكثير من الجوائز والاقتناء محليًّا وعربيًّا.. وقد وصفته جريدة الجزيرة قبل سنوات بحاصد الجوائز وفارسها. كما نرى مثل هذا الجهد أيضًا لدى الدكتور فؤاد مغربل الذي قدم الكثير من الجهود في مرحلة تأسيس الحراك التشكيلي إلى يومنا هذا، مع ما قام به من تأسيس أول جماعة للفنون التشكيلية، ما زالت هي الأبرز والأكثر حضورًا محليًّا وعربيًّا (جماعة المدينة المنورة)، إضافة إلى جهوده في التأليف الفردي أو مشاركة الآخرين، منهم الفنان أحمد فلمبان.
هاجس لا ينقطع لهموم الفن التشكيلي
تلك المقدمة قصدنا منها أهمية ما يمكن أن يطرحه هؤلاء وأمثالهم من رواد تأسيس الفن التشكيلي السعودي؛ ولهذا كانت حواراتهم في تلك اللقاءات على هامش التحكيم تستحق التوثيق والاهتمام، نوجزها حسب المساحة، ونعد بأن نقدِّم ما جاء فيها في حلقات قادمة بعد إعدادها النهائي للنشر.
كانت الأحاديث حول ما شاهدناه من إبداعات المشاركين في المعرض الحر ومسابقة الفن التفاعلي التي أدهشت الجميع، وأجمع المتحاورون على أن هناك جيلاً يحق له تسلُّم الأمانة بكل ثقة. كما تواصلت الحوارات حول ما كان عليه الفن التشكيلي من مراحل تأثرت مع مرور الزمن.. فمن معارض تعدها الجهات الرسمية إلى معارض يقيمها الفنانون بجهودهم وصولاً إلى مرحلة الاستثمار التي انتشرت له الصالات، إضافة إلى الكم الكبير من المناسبات التشكيلية والمهرجانات التي يخصص للفن التشكيلي فيها مساحة من الاهتمام. ولم تخلُ الأحاديث عن أسباب التراجع في مسيرة الفن التشكيلي من حيث قيمة العمل الفني موضوعًا وتنفيذًا وأسبابها، مع ما تطرقنا إليه من ملامسة سلبيات الساحة. وكنت خلال اللقاء مستفزًا وساعيًا لتحريك الساكن، واستحضار ما يراه الزميلان من مشاهد لم يكونا راضيَين عنها، وتوصف بالمؤلمة من جانب الطرح فنيًّا وفكريًّا، ولا تتناسب مع ما يجب أن يكون عليه التقدير لما قُدِّم من جهود منذ فترة التأسيس، أو يتوازى مع ما مر بهذا الفن من تحولات نحو إثبات الذات ومسايرة من سبقونا.. وليكن المعرض الأول عام 1976م ـ 1396هـ منطلقًا لتوثيق البدايات الرسمية لهذا الفن؛ إذ جمع هذا المعرض نخبة ما زالت تشكِّل قاعدة تأسيس هذا الفن واضعين لهذا الفن هدفًا وطنيًّا، يرتكز على خصوصية وهوية يحق له بها أن ينافس على مستوى العالم. وكان من بين ما تم التطرق إليه ما يشوب هذا الفن من غزو ثقافي مستورد، وما يعيشه أجياله من انشغال بتكتلات ومنافسات هي الأبعد عن حقيقة ما رسم لهذا الفن، والإشارة إلى ما تسعى إليه الدولة ممثلة في الجهات الرسمية ضمن (رؤية 2030) من خطط للأخذ بها. ومن ذلك ما ينتظره التشكيليون من إنشاء المجمع الملكي للفنون الذي سيكون للفن التشكيلي فيه مساحة من الاهتمام.
حوارات ونقاشات تستحق التوثيق من أسماء كبيرة لها مكانتها الفنية دون شك، ويقدرها الجميع.
توصيات لجنة تحكيم الفنون في سوق عكاظ
خلال حوارات الزملاء أجمعوا على أن يقدموا بعضًا من الاقتراحات التي استخلصها الدكتور فؤاد مغربل من بين ما تحدثنا به في كل جلسة، وتم رفعها للزميل فيصل الخديدي رئيس اللجنة، وتضمنت الآتي: أن يتلاءم موضوع المسابقة مع الحدث بأن يعاد اسم مسابقة الفنون التشكيلية إلى العنوان السابق (لوحة وقصيدة)؛ لتكون مرتبطة بالحدث وتاريخ سوق عكاظ وفعالياته؛ ما يتيح الفرصة للمشاركين لتوسيع أفق القراءة في الشعر العربي، واستنباط فكرة اللوحة منها.
الاهتمام بإصدار كتيب للفعاليات الفنون التشكيلية لتوثيق الحدث والمناسبة، وإعادة النظر في قيمة الجوائز المخصصة للمسابقة (المعرض)، على أن تكون سبع جوائز، الأولى سبعون ألفًا، والثانية خمسون ألفًا، والثالثة أربعون ألفًا، والخامسة ثلاثون، والسادسة والسابعة جائزة لجنة التحكيم، ومقدار كل منها عشرة آلاف، إضافة إلى الاهتمام بصالة الفنون التشكيلية ببناء صالة خاصة بالفنون على أحدث التجهيزات، تليق بالمهرجان وبالفنون التشكيلية والفنانين، واستضافة عدد من المشاركين في المسابقة، وإضافة فن النحت والمجسمات للمسابقات.
أما المسابقة التفاعلية فيجب أن تبدأ مع بداية المهرجان، ويؤمَّن للمشاركين مستلزمات التنفيذ أو تغطية تكاليفها، على أن لا تقل مدة التنفيذ عن عشرة أيام، ويحدد لها موضوع يتلاءم مع المناسبة. وأخيرًا الاستفادة من الأعمال الفائزة بإقامة متحف لها للتعريف بتسلسل مشاركة الفن التشكيلي في المهرجان.