أ.د.عثمان بن صالح العامر
تداول المجتمع الحائلي مقطعاً لصاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن سعد بن عبد العزيز وهو يجلس في بيت شعر بجواره رجل مسن يطلب منه دخول بيته على غداء أو عشاء، يعتذر الأمير بأدب، ويلحّ جليسه بالطلب، ويعتذر الأمير مجدداً، يعيد الرجل الطلب مرة ثالثة وهو يبكي، يرد الأمير في مشهد مؤثر: «على خشمي، أنا أبي أجيك أسولف معك، أنا اللي أبي أدورك وأجيك»، ويمسح الرجل دموعه بمنديل في يده وهو يبكي هذه المرة فرحاً لحصوله على موافقة الأمير دخول منزله التي أكدها له من حوله بصوت مرتفع ليطمئن على موعده المرتقب.
يقول لي من كان حاضراً مع سمو الأمير في ذلك اليوم: « كنا في البر، وكان الرجل المسن جاء عند ولده من أجل أن يعزم الأمير، وقد بدأ كلامه بقوله: «والله يا طويل العمر لست أكرم الناس ولا أغناهم، ولكن يهنانن دخولك بيتي»، ولم يكن أحد منا يعلم بالتصوير، وتفاجأت به بعد أكثر من سنتين ينتشر هذه الأيام ويتداول بشكل كبير، حتى أنني شخصياً جاءني عدد من الاتصالات من خارج حائل تسأل عنه، مع أنه في نظري موقف طبيعي قياساً بالمواقف التي أعرفها عن سمو الأمير- الله يحفظه- وهي كثيرة ومؤثرة».
هذه أولاً دعوة للقارئ الكريم قبل أن يقرأ تعليقي الشخصي على هذا الموقف أن يطلع على المقطع ويراه، فليس من رأى كمن قرأ.
دمعة الرجل غالية، وليس من السهولة أن تنزل، والعرب يعرفون هذا الأمر ويدركون دلالته وأبعاده النفسية والاجتماعية، ومع ذلك رأيناها تتدحرج على خد أبي عيد من شدة محبته لحكامنا وولاة أمرنا عموماً ولسمو الأمير وفرحه به ورغبته إكرامه وتشريفه بدخول بيته، وهو- فيما يظهر- حب صادق متجرد ليس فيه مطمع أو رجاء، فهو من عايش الفقر والجوع والخوف والسلب والنهب وعقد لحظتها مقارنات سريعة بين ما نحن فيه من حال اليوم وكيف كان حالنا في الجزيرة العربية من قبل فاعترف بالفضل لأهل الفضل.
في المقابل يعطي سمو الأمير - وهو في هذا نموذجٌ لولاة أمرنا عموماً - درساً في التواضع ودماثة الخلق واحترام الكبير وتقديره والنزول عند رغبته مهما كانت الظروف، ومن يعرف سلوم العرب يعي جيداً ماذا يعني قوله- وفقه الله- في جوابه لأبي عيد: «على خشمي».
هل بعد هذه المشاعر الفياضة، والعلاقة الحميمية، والإنسانية العالية، والكرم الجبلي المتبادل يجد من يريد بنا سوءًا أو يعزم على شر مدخلاً وباباً يلج منه يوماً ما ليراهن علينا نحن الشعب في الوقوف معه بمعسكر الضد والتخندق في صفه ضمن فلول المتربصين بهذا البلد الآمن، المتطلعين إفساداً وفساداً ببلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية لا سمح الله؟
إن البناء السعودي قائم ولله الحمد والمنة على أسس صحيحة، ومؤسس على قواعد راسخة متينة، ولذا فهو بناء ذو لبنات متراصة قوية صلدة، لا يمكن لأحد اختراقه أو هدم ثلمة فيه والنفاذ من خلالها رغم حجم المكائد الواهية وكثرة الدسائس والافتراءات الخائبة، ومن يقرأ في تاريخ دولتنا المباركة، ومن يتأمل في واقعنا المعاصر يدرك عمق هذه الحقيقة وتجذرها في البناء الوطني المتين، ولم يكن لهذا أن يتحقق لولا فضل الله ومنّه وكرمه، ثم وجود ولاة أمر عرفوا بالحكمة والحنكة والعزم والحزم، وفي ذات الوقت يتمتعون بالإنسانية العالية والخلق الرفيع والأدب الجم حفظهم الله ورعاهم، يقابل هذا ويلازمه شعب محب لولاة أمره وفيّ لوطنه ومواطنيه وصادق في قوله وفعله خاصة حين يكون الوطن طرفًا في رهان، دمتم بسلام وتقبلوا صادق الود والسلام.