علي الصراف
قدمت قطر شكوى إلى منظمة التجارة العالمية، للبحث في أضرار المقاطعة التجارية التي تفرضها عليها الدول العربية الأربع (السعودية، الإمارات، البحرين ومصر)، لتقول من هناك إنها «مستعدة للحوار والتشاور لحل هذا النزاع».
والاستعداد للحوار، من هناك، يثير تساؤلات ويبعث على الحيرة. لأن الدول الأربع (فضلا عن الكويت، التي تتولى الوساطة) أقرب، من ناحية المسافة على الأقل، من منظمة التجارة العالمية. ولا يقتضي الوصول إليها أو الحوار معها أكثر من رفع سماعة الهاتف.
واختيار منظمة على بُعد «منظمة التجارة العالمية» وعدم اختصاصها في مسائل السيادة، يشير إلى أن المسألة ليست مسألة رغبة بالحوار، ولا حتى رغبة بالحد من الأضرار، بل رغبة بالتباكي.
وكانت قطر قد رفعت شكوى مماثلة إلى المنظمة الدولية للطيران المدني، ليس من أجل الطيران فوق سيادة تلك الدول، وإنما من أجل التباكي أيضا. فطائراتها تطير في كل اتجاه آخر. سوى أنها تحتاج أن تطير لمسافات أبعد وتتحمل تكاليف إضافية، في بلدٍ لا تهمه التكاليف عندما يتعلق الأمر بدعم الإرهاب. ولا أدري لماذا تهمه التكاليف عندما يتعلق الأمر بالطيران.
وحيث إن كل شكوى من هذا القبيل تحتاج إلى سنوات للبحث فيها، فإن نتائجها معروفة سلفا أيضا، إلى درجة تدفع المرء إلى التساؤل عما إذا كان الأمر تعبيرا عن غباء مقصود، أو جهل لا مبرر له، أو رغبة في إقامة سرادق دولي للنواح.
ولكن بمقدار ما يتعلق الأمر بالتباكي، فأود لو أنصح قطر بتقديم شكاوى مماثلة إلى المنظمات التالية، على الأقل من أجل أن يبدو النواح حقيقيا أكثر، ومن أجل أن تتوافر المزيد من الدراما للقوالب اللغوية الغبية التي يستخدمها الإعلام القطري.
والمنظمات المقترحة هي:
أولا: منظمة الصحة العالمية، وذلك من أجل القول إن المقاطعة تلحق أضرارا نفسية ببعض شيوخ قطر لا تقدر بثمن، وأنهم باتوا بحاجة إلى مهدئات أكثر مما تمليه الضرورة.
ثانيا: منظمة العفو الدولية، وذلك من أجل القول إن المقاطعة تلحق أضرارا جسيمة بحق أجهزة الإعلام القطرية في «رفع مستوى حرية التعبير» لاسيما عندما يتعلق الأمر بـ»الحق» في نشر الفوضى وزعزعة الاستقرار والترويج للقلاقل والبحث عن أعمال الإثارة في الدول المجاورة.
ثالثا: منظمة اليونسكو، وذلك من أجل القول إن دول المقاطعة تمنع على قطر «حقها» السيادي في نشر ثقافة الإرهاب والترويج لأبطاله ومنظماته.
رابعا: صندوق النقد الدولي، وذلك من أجل القول إن حسابات قطر المالية في البنوك الدولية تتعرض لرقابة تلقائية أشد، الأمر الذي يحد من «حرية» نقل الأموال إلى المنظمات الإرهابية، كما يحد من حرية «تبادل السلع» معها (الأسلحة، لجماعاتها «المتطرفة»، والزيت والطحين والبطانيات، لجماعاتها «المعتدلة» التي ترغب بشراء أصوات الناخبين).
خامسا: منظمة المرأة العالمية، لأن أعمال المقاطعة تحول دون تمكن قطر من تمويل الجماعات التي تسعى إلى سبي النساء في الدول التي تنتشر فيها سياسات «إدارة التوحش». الأمر الذي يحرم المسلحين من «حقوقهم الشرعية» التي نصت عليها قواعد الإرهاب ومواثيقه المعترف بها قطريا.
سادسا: «المنظمة الدولية لتمويل أعمال الخطف»، وهي «منظمة» غير معلنة ترأسها قطر، وذلك من أجل القول إن هذه المنظمة لم يعد بوسعها أن تدفع للإرهابيين أموالا إذا ما قاموا بأعمال خطف جديدة، الأمر الذي يعرض مواطني بعض الدول الراغبة بالتواطؤ، إلى الخطر.
سابعا: «مافيا الإرهاب الدولي» (الاسم الحقيقي للمحفل الدولي لجماعة الإخوان) وذلك من أجل القول إن الطبيعة الإجرامية لهذا التنظيم غير «المعتدل»، وتاريخه الأسود، وكل التفريعات الإرهابية التي تخرجت من مدرسته، تنكشف كما لم يسبق أن انكشفت من قبل.
والحال، فإذا ما تم رفع كل هذه الشكاوى دفعة واحدة، فإن «السرادق الدولي للنواح»، سوف يمتلئ بكل ما يجعله كفيلا بالتحول إلى منظمة تصلح لخوض كل شيء، إلا الحوار والتشاور.