د.علي القرني
يبدو أن الحكومة القطرية ولا نقول الدولة القطرية أو الشعب القطري، قد انجرفت تماماً لدول مارقة عن القانون الدولي كإيران مثلاً، وارتمت في الحضن الصفوي، وباتت أسيرة للأجندة الإيرانية. ورغم كل الجهود التي بذلت من الكويت ودول أخرى، إلا أن قطر بدأت تشعر بنرجسية الاهتمام العالمي بها.
وفي حالة ما قبل الأزمة الخليجية كانت كل سلوكيات الحكومة القطرية المتمثلة في عدد قليل يحكمون القرار القطري، تنصب على وضع قطر على خارطة العالم، وهذا من حقها الطبيعي، ولكن الطريقة التي سلكتها كانت في سياسة الاختلاف مع دول الجوار، وتحديداً دول مجلس التعاون الخليجي. ولهذا احتضنت إعلامياً ودعمت سياسياً ولوجستياً كل المعارضات السياسية للأنظمة العربية لتربي هؤلاء ليوم تتوقع فيه أنهم سيقلبون أنظمة حكمهم وتصبح قطر صديقة الأنظمة الجديدة والمؤثرة فيها.
هذا للأسف كان محور السياسة القطرية خلال العقد الماضي، فقد وقفت مع التيارات المناهضة للاستقرار في المنطقة، ودعمت الجماعات الإرهابية في المنطقة بكل صلافة وتمردت على القرار الخليجي والعربي، بل على قوانين الإرهاب المكافحة له في العالم.
ودام أن قطر قد استشعرت بقيمة الاختلاف الذي نهجته منذ سنوات، فهي اليوم بعد انبثاق أزمة الخليج وتشكيل تحالف مناهض للتمويل القطري للإرهاب، فقد رأت أنه ربما تكون هذه الأزمة مواتية لها للاستمرار في نهج الاختلاف، وهذه المرة مدعوماً من إيران بشكل كامل، ومن تركيا بدرجة أقل.
كنا نتوقع أن تغلب الحكومة القطرية صوت العقل، وتعمل مع جاراتها وهن الامتداد الطبيعي لها في المنطقة، ولكنها للأسف أصرت على أن تبقى مختلفة ومنهجها مستمر في سياستها العدوانية على كثير من دول المنطقة العربية. وهذه ليست نظرة استراتيجية أبداً، بل هي ردة فعل ستصنع من قطر دولة مارقة على دول الخليج والدول العربية، وستكون هذه الخطوات إيذاناً ببدء مرحلة جديدة لقطر في عالم المروق والتزمت والتطرف والإرهاب.
أتابع الكثير من الأقلام والأصوات القطرية التي تشارك في الحديث أو الكتابة عن هذه الأزمة، فأرى نسبة منها تحاول فعلاً وبإخلاص أن تركز على أهمية الحل الخليجي الداخلي، وتؤكد دائماً أن الصف الخليجي يجب ألا تشقه أزمات أو مواقف، ويجب أن تعود اللحمة الخليجية إلى سابق عهدها. وهذه الأصوات لا تستطيع أن تقول أكثر من ذلك يحكم أنها داخل قطر. فتحية لهذه الأصوات الواعية.
ما تعمل عليه قطر الآن وبكل ما أوتيت من قوة هو بعثرة القضايا الأساسية في موضوع الأزمة، وتجاهل المسببات، فهي معمية تمام بالنتائج تاركة خلف ظهرها الأسباب. وإذا لخصنا الأزمة الحالية في أسباب ونتائج، فإنّ الأسباب هي عدوانية قطر ودعمها للإرهاب والجماعات المناهضة لاستقرار وأمن دول الخليج والدول العربية، أما النتائج فهي ما آلت إليه قطر حالياً من متاعب اقتصادية وسياسية واجتماعية. وتحاول قطر أن تشكل ردة فعل قوية نحو هذه النتائج، ولكن دون أن تخوض في الأسباب. وما نعلمه جيداً وفي كل الحالات هو أنه إذا زالت الأسباب ستنتفي تأثيراتها ونتائجها.
وأعود لأؤكد دعمي للأصوات القطرية الواعية ودعمي للحل الخليجي الداخلي بعيداً عن المهاترات والمواقف المسبقة وبعيداً عن الكبرياء السياسي، ولكن مثل هذا الحل يجب أن يبدأ من الحكومة القطرية بالرجوع والاعتراف بمسببات الأزمة، ومحاولة الوصول إلى معايشة جديدة وسياسات ومنهجيات عمل مشتركة، يعود فيها مجلس التعاون الخليجي إلى سابق عهده ككتلة سياسية واقتصادية كبيرة في المنطقة والعالم.