عبدالعزيز السماري
من أهم معوقات أي مشروع تنموي في العالم عدم تقديم تعريفات واضحة لماهية الفساد، وما يترتب عليه من إقرار للقوانين التي تحكم هذا التعريف، وتفسح المجال لمحاكمة الذين ينتهكون هذه القوانين علانية..
حسب قراءتي لثقافة الفساد في المجتمعات الشرقية، ثمة لبس واضح في تعريفاتها، فالفساد يتم تقديمه على أنه فساد أخلاقي شخصي أو فكري أو ديني، وتحدده في أغلب الأحيان إنطباعات شخصية أو أجندات سياسية، بينما الأمر يتجاوز ذلك لأمور أبعد بكثير من ذلك..
التعريف المتفق عليه في المرجيعات القانونية الدولية هو إساءة استخدام السلطة المكلفة لتحقيق مكاسب خاصة، وعسف القوانين والأنظمة لخدمة مصالح الفساد الإدراي والمالي..
يمكن تصنيف الفساد على أنه كبير، وصغير، أو إداري وسياسي، وهذا يتوقف على مبالغ الأموال المفقودة والقطاع الذي يحدث فيه.
يتألف الفساد الكبير من أفعال ترتكب على مستوى عال، وتشوه السياسات والأداء المركزي للدول على مستوى العالم، من أجل غرض استفادة المسؤول واستغلاله لمنصبه على حساب الصالح العام.
بينما يعني الفساد البسيط إلى الإساءة اليومية للسلطة الموكلة إليه من قبل الموظفين الصغار في المستويات الدنيا والمتوسطة في تفاعلهم مع المواطنين العاديين، وذلك من خلال تحقيق مصالح خاصة سواء كانت مادية أو غيرها مقابل تقديم الخدمة المكلف بها..
من أجل تشخيص أفضل لأنواع الفساد حسب المعايير العصرية، لابد من رفع مستويات الشفافية، والتي تتعلق بإلقاء الضوء على القواعد والخطط والعمليات والإجراءات، وهو معرفة لماذا، كيف، ماذا، وكم.
تتضمن الشفافية أن يكون الموظفون العموميون وموظفو الخدمة المدنية والمديرون وأعضاء مجلس الإدارة ورجال الأعمال يتصرفون بشكل واضح ومفهوم وأن يقدموا تقريرا عن أنشطتهم.
مهما حاول البعض نقل دوائر الفساد إلى مناطق مختلفة وبعيدة من حيث الأهمية، سيظل اختلاس المال العام هو بيت القصيد وهو العمود الأهم في حياة الدول وطول أمدها، فالتلاعب بالمال العام يؤدي إلى الإفلاس، وعادة تكون عواقبه كارثية على مختلف المستويات.
في التفاصيل.. لابد أن تكون هناك رقابة مجهرية على أولئك الذين خرجوا بالثروات الطائلة من استغلال مناصبهم الإدارية أو القيادية، ويمكن معرفة ذلك بمراقبة حساباتهم المالية من جهات محايدة وشفافة، وتكون الرقابة إلى آخر يوم في خدماتهم العامة، ثم تقديمهم للتحقيق والمحاكمة في حال وجود شبهات مؤكدة حول إستغلالهم لمناصبهم لتكوين الثروات المالية..
هذا يعني بكل تجرد أن يتحمل هؤلاء المفسدون مسؤولية أعمالهم وإخلالهم للثقة لو ظهر فسادهم في البلاد.. وهي أضمن طريقة لحماية المشاريع والمكتسبات الوطنية من الفساد، كما أن نجاحها يساعد على زيادة ثقة الناس في مؤسسات الدول، وتعني أيضاً نأكيد وضمان أكثر لنجاح المشاريع المستقبلية..
لكن الأهم من ذلك الإيمان أن هذا الطريق هو أفضل السبل للمحافظة على هيبة الدولة، وذلك عبر كسب تأييد الغالبية العظمى في المجتمع للمضي في المسيرة التنموية..
ومهما تمت معالجة صور الفساد سطحياً، لن تخفى جذوره عن فهم الناس، فالمعرفة تجاوزت السبل التقليدية، والنزاهة لم تعد اجتهادات فردية، ولكنْ نظام متكامل لا يسمح لأيٍّ كان أن يخل بمصالح الوطن العليا ومستقبله..
ختاماً.. أخطر تحديات الدولة في إطارها الشرقي يكمن في ذلك الصديق اللدود الذي يمارس من خلال آليات الفساد المتعارف عليها عدواته الظاهرة ضد مصالح الوطن ولا يجرؤ أيّ كان على محاسبته.. اللهم أحم بلادي ووطني العزيز من هذا الشر المستطير.