سعود عبدالعزيز الجنيدل
أذكر في أيام الطفولة -ما أجمل تلك الأيام- أني كنت محبًا للمسلسل الرائع سندباد، وأذكر أنه عرض في إحدى حلقاته قصة عن أطفال صغار متعلقين بأختهم الكبرى، وكانوا يرونها كل شيء لهم، وكانوا يطلقون عليها «الأخت الكبرى».
ساستعير هذه التسمية منهم، ولكني سأحورها، وأقول:
«الأخ الأكبر».
أؤمن تمامًا بضرورة كون الأخ الأكبر قدوة لإخوته، ولا بد له أن يحمل على عاتقه مهام جسامًا، هذه المهام لا يقوى عليها غيره، والمتابع لأخبار مجتمعنا هذه الأيام يعرف تمامًا خطورة الوضع الراهن، وتأثير الجماعات التكفيرية على عقول الشباب الصغار، وأكاد أجزم أن أغلب الآباء والأمهات -أطال الله في أعمار من كان حيًا منهم، ورحم الله من كان ميتًا منهم- لا يستطيعون مراقبة أبنائهم، فضلاً عن معرفة مدى تغيرهم، وتأثرهم بهذه الجماعات، لهذا كان لزامًا على الإخوة -خصوصًا الأخ الأكبر- ملاحظة ذلك، وإذا أدركوا هذا التأثر، فيجب عليهم كبح جماحهم، وإيقاظهم من غفلتهم.
ويجب علينا شكر المولى سبحانه على وجود الإخوة بيننا، فالعرب تقول:
أخاك أخاك إن من لا أخ له
كساعٍ إلى الهيجاء بغير سلاح
والآن اسمحوا لي أن أكون أنانيًا، فأنا أرغب بالحديث عن أخي الأكبر (أبو معاذ). قلت (أبومعاذ، ولم أقل أبي معاذ على الحكاية يا أيها النحاة، فلا تخطئوني). حاولت أن أكتب عنه، ولكن الحروف أجابتني: ألا تخجل من نفسك؟ فأجبتها ولماذا يجب علي ذلك؟ فأجابتني: أنا لا استطيع ذلك، فحروفي لا تستطيع وصفه، فأرجوك اعفني من هذه المهمة، فقلت لها -كعادتي أعرف من أين تؤكل الكتف- ألم يقل الفقهاء: (ما لا يدرك كله لا يترك جله)، فأنا أعرف أنك عاجزة عن ذلك، ولكن كما تقول العرب: يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، فقالت: لقد ألقمتني حجرًا، وسأفعل ما طلبت.
هل يكفيك أنه حافظ لكتاب الله، هل يكفيك أنه بار بوالديه، هل يكفيك أنه رفض وظائف مرموقة (القضاء، وهيئة التحقيق) لأنها ستبعده عن مدينة والديه؟... فقلت لها حسبك.
ولكنه سيقول حين يقرأ هذا المقال: ولكن الكمال لله، فأجيبه
ألم تسمع قول الشاعر:
وعيرتني النقصان والنقص شامل
ومن ذا الذي يعطى الكمال فيكمل
وحسبك أن يقول فيك الشاعر:
ومن ذا الذي ترضي سجاياه كلها
كفي بالمرء نبلاً أن تعد معايبه
وأنت لا تتجاوز معايبك أصابع الكف الواحدة.
ما الذي دفعني لكتابة هذا المقال، لا أعرف، فأنا دائمًا ما أقول:
علينا أن نقول وعليكم أن تتأولوا.