د. عبدالرحمن الشلاش
تسييس الحج يتعارض مع كل النصوص الواردة في الدين الإسلامي الحنيف، ولم أجد خلال بحثي المطول فيما كتب عن الحج ما يسمح بممارسات سياسية أو رفع شعارات أو انتصار لطائفة أو حزب، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عد التفاخر بالأحساب والأنساب من دعوى الجاهلية حين وجه أصحابه في حادثة الغلامين بقوله «دعوها فإنها منتنة»، ليبقى الافتخار والاعتزاز بالدين دون سواه.
قال الله تعالى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ}. في هذه الآية يتبين أن الحج عبادة عظيمة يتخلى فيها من أحرم بالحج عن كل المتع ويقطع صلته بكل ما يصرفه عن تأدية الشعيرة العظيمة من ملذات وسباب ولغو وشتم، وينتهي عن تحويل الشعيرة إلى ميدان للجدال والشقاق والنزاع، لأن الحج الركن الخامس من أركان الإسلام عبادة وتوحيد وأداء للمناسك على الوجه الصحيح في سكينة وهدوء وخشوع، ولا يمكن لهذه العبادة أن تؤدى على الوجه الصحيح في أجواء يسودها التوتر والمظاهرات ورفع الصور وترديد الشعارات الفارغة.
عندما قامت الثورة الخمينية الخائبة في إيران حدثت تغيرات سلبية عصفت بالمنطقة الهادئة المستقرة، وكانت التعليمات الصادرة من قم آنذاك تؤكد على استغلال موسم الحج وتسييسه بترديد الشعارات والقيام بالمظاهرات والدعاء لأصنام الثورة والدعاء على أعدائهم، لكن حكومة المملكة كانت حازمة فتصدت لكل الممارسات المسيئة للحج والمعكرة لأجوائه كما حدث في مكة عام 1407 من اعتداءات إيرانية على رجال الأمن ورفع لصور الصنم الأكبر خميني، وتدافع الحجاج في منى وفي نفق المعيصم في محاولات غير معلنة من قبل السلطات الفارسية لتخريب الحج، وإظهار الحكومة السعودية وكأنها عاجزة عن تنظيم الحج ليكون مدخلا مناسبا لها للمطالبة بتدويل الحج!
وتدويل الحج مصطلح ابتدعته إيران وشنشن حوله القذافي، ثم عندما نفشت دويلة قطر ريشها وظنت أنها قد بلغت عنان السماء نادت بها تأسيا بأسيادها في قم، أي وضع الحرمين تحت إشراف دولي، ورغم سماجة هذا الطلب وما فيه من تعدٍ صريح يرفضه كل مسلم إلا أن الرد عليه سهل ويسير فيكفي أن الحرمين الشريفين جزء لا يتجزأ من أراضي المملكة العربية السعودية وفي مثل هذا المطلب تعد صارخ على سيادتها، والأمر الآخر أن حكومة المملكة قائمة بواجبها على خير وجه وبما يشهد به كل منصف لذلك ستسقط كل الادعاءات والمطالبات ولو كره المبطلون والحاقدون.